هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 479 - الجزء 2

  لامتناع الاستمرار على فعل المأمور به⁣(⁣١) ومنعه عن سائر المأمورات والمصالح.

  وبأن النهي يقتضي انتفاء الحقيقة، وهو لا يحصل إلا بانتفائها في جميع الأوقات، والأمر يقتضي إثباتها، وهو يحصل بمرة.

  (وعن) الوجه (الثالث) بمنع الملازمة؛ فإن الواجب الموسع يجوز نسخه قبل الفعل وبعد التمكن اتفاقاً. سلمنا⁣(⁣٢) فالجواب (بأنه) أي: النسخ إنما يجوز وروده (لقرينة التكرار) وحمل الأمر على التكرار بقرينة جائز.

  (وعن) الوجه (الرابع بأن سؤاله) ليس لما ذكرتموه من فهم التكرار من اللفظ، بل (لتجويز أنه كسائر العبادات) المتكررة من الصلاة والصيام والزكاة؛ لأنه عبادة مثلها.

  وحجة (الثالث) من وجهين: أحدهما: أن (المطلوب⁣(⁣٣) حقيقة الفعل) لأن


(قوله): «سلمنا» أي: الملازمة.

(قوله): «أنه كسائر العبادات» أي: المتكررة بدليل خارجي.


(١) هذا إنما يتم إذا لم يرد من التكرار فيما يمكن ويعتاد، وقد بين مراد القائل بأنه للتكرار في أول المسألة، ومنه تعلم ضعف قوله: لا الامتثال ... إلخ.

(٢) عبارة الرازي في المحصول هكذا: وعن الثالث أن النسخ لا يجوز وروده عليه، فإن ورد صار ذلك قرينة في أنه كان المراد به التكرار، وعندنا لا يمتنع حمل الأمر على التكرار بسبب بعض القرائن. اهـ بحروفه.

(*) قال الأسنوي في شرح المنهاج بعد أن ذكر في المنهاج هذا الجواب: ولك أن تقول: إن صح هذا الجواب فيلزم أن لا يكون جواز الاستثناء دليلاً على العموم البتة؛ لإمكان دعواه في كل استثناء، وذلك مبطل لقوله بعد ذلك: ومعيار العموم جواز الاستثناء، وأيضاً فهو مناقض لقولهم: إن النسخ قبل الفعل جائز، لا سيما أنهم استدلوا عليه بقصة إبراهيم مع أن الذبح يستحيل تكراره، وأيضاً فيلزم منه التكليف بما لا يعلمه الشخص.

(٣) مما ذكره الرازي في المحصول من حجج هذا القول ما لفظه: بيانه أن المسلمين أجمعوا على أن أوامر الله تعالى منها ما جاء على التكرار كما في قوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ}، ومنها ما جاء لا على التكرار كما في الحج، وفي حق العباد أيضاً قد لا يفيد التكرار، فإن السيد إذا أمر عبده بدخول الدار أو بشراء اللحم لم يعقل منه التكرار، ولو ذمه السيد على تركه التكرار للامه العقلاء، ولو كرر العبد الدخول لحسن من السيد أن يلومه ويقول: إني قد أمرتك بالدخول وقد دخلتَ فيكفي ذلك وما أمرتك بتكرار الدخول، وقد يفيد التكرار، فإنه إذا قال: احفظ دابتي فحفظها ساعة ثم أطلقها يذم. إذا ثبت هذا فنقول: الاشتراك والمجاز خلاف الأصل، فلا بد من جعل اللفظ حقيقة في القدر المشترك بين =