هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 482 - الجزء 2

  المقيدة بالتكرار أو المشتركة⁣(⁣١) بينهما اشتراكاً لفظياً، واللازم بأقسامه باطل، أما الأولان فلأنه لو كان أحدهما عين مدلولها أو داخلاً فيه أو خارجاً لازماً له⁣(⁣٢) لزم


(قوله): «المشتركة بينهما» الظاهر أنه عطف على الحقيقة، والمعنى وإما المشترك، فيلزم أن يكون مدلول الصيغة مشتركاً لفظياً، وليس كذلك⁣[⁣١]؛ إذ الاشتراك اللفظي إنما هو في الصيغة لا في مدلولها فالاشتراك فيه معنوي كما لا يخفى، وأيضاً يلزم أن يكون المدلول مشتركاً بين المرة والتكرار، وليس كذلك؛ للتنافي. وعبارة الجواهر: أما المقدمة الأولى فلأن مدلول الصيغة المجردة لو لم تكن هي الحقيقة المطلقة المشتركة بين الإفراد فقط لوجب أن يكون مدلولها إما الحقيقة المقيدة بالمرة أو الحقيقة المقيدة بالتكرار؛ إذ لا مخرج عنهما؛ لامتناع أن تكون مشتركة بينهما اشتراكاً لفظياً لما سيجي بيانه إن شاء الله تعالى.

(قوله): «لو كان أحدهما عين مدلولها» الظاهر أن مدلول أحدهما للمرة أو التكرار⁣[⁣٢]، فيرد أن كون المرة والتكرار عين المدلول لا يناسب قوله فيما سبق: إما الحقيقة المقيدة بالمرة أو المقيدة بالتكرار؛ لأن كونهما قيدين في الحقيقة يقتضي أن المرة أو التكرار إما جزء الحقيقة أو لازم لها لا أنهما عين مدلول الصيغة أيضاً، والظاهر أن من قال بأنه للمرة أو التكرار لم يرد أنهما عين الموضوع له، ولا يستقيم عود الضمير إلى الحقيقة المقيدة بأحدهما؛ لأن قوله: أو داخلا فيه أو خارجاً لازماً لا يناسبه؛ فإن الحقيقة المقيدة لا تتصف بالدخول أو الخروج في مدلول الصيغة كما لا يخفى، فينظر.

(قوله): «أو داخلا فيه» بأن يكون جزء المدلول، وقوله: «أو خارجاً لازماً» فإن قيل: إبطال اللازم هاهنا مناف لما سبق في أول البحث من أن المرة من ضروريات الإتيان بالمأمور به وأن الأمر يدل عليها بالالتزام، ويمكن أن يجاب بأنه أبطل هاهنا لزوم المرة المقيدة بقيد فقط، فإن مدلول الصيغة لا يلزمه المرة المقيدة بذلك؛ إذ معنى ذلك القيد هو الاقتصار على المرة، وليس ذلك بلازم ولا هو من ضروريات المأمور به؛ لأنه يحصل المأمور في ضمن التكرار، والذي سبق هو لزوم المرة المجردة عن هذا القيد فتأمل، لكن يقال: المعنى فيما سبق على التقييد أيضاً⁣[⁣٣] وإن لم يذكر ذلك القيد صريحاً، فالكلام هنا وفيما سبق متحد.


(١) في المخطوطات: أو المشترك.

(٢) قد تقدم للمصنف في أول المسألة في قوله: «وقيل: لا أيهما» أنه يدل على المرة بالالتزام، ويمكن أن يقال: ما تقدم من أنه لا زم للذات بالنظر إلى الوجود كالسواد للحبشي، وما ذكر هنا بالنظر إلى الماهية كالزوجية للأربعة.


[١] ويمكن توجيه العبارة بحذف مضاف، أي: يكون مدلول المشترك. (حبشي معنى).

[٢] لا مانع من إعادة ضمير أحدهما للحقيقة المقيدة بالمرة أو الحقيقة المقيدة بالتكرار، فلا يلزم ما ألزمه المحشي. (السيد أحمد بن إسحاق |).

[٣] شكل عليه، وعليه ما لفظه: ينظر في هذا الإيراد؛ فإنه غير ظاهر. (ح عن خط شيخه). وفي حاشية: يمكن الجواب بأن الحكم بأن المرة من ضروريات الإتيان بالمأمور نظير حكم أهل اللغة بأن المكان من ضروريات الفعل ولم يدل عليه الفعل، وأما إثباته الدلالة فيما سبق ونفيها هاهنا فالمراد فيما سبق الدلالة ولو عرفاً، وهي ثابتة في اللوازم العرفية فضلا عن الضرورية، والمنفي هاهنا الدلالة التي يعتبر بها أهل المعقول؛ لأنها مقصورة على نوع خاص من اللوازم، وهي التي تعتبر في باب الاستدلال دون الأولى، والله أعلم. (السيد محسن الشامي ح).