[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  امتناع خروج المأمور بالصيغة المجردة عن القرائن عن عهدة الأمر بالمرة الواحدة أو بالتكرار؛ لأن من يقول: إنها للحقيقة المقيدة بالمرة فقط أو مستلزمة لها يلزمه أن لا يعده ممتثلاً(١) بالتكرار؛ لأن الحقيقة المقيدة بالتكرار منافية للحقيقة المقيدة بالمرة الواحدة فقط، ومعلوم أن الامتثال بأحد المتنافيين لا يكون امتثالاً بالمنافي الآخر، وهكذا فيمن يقول: إنها للحقيقة المقيدة بالتكرار فقط لكنها(٢) تحصل البراءة والامتثال بكل واحد من المرة والتكرار بالاتفاق(٣)، فعلم أنهما خارجان عن مدلول الصيغة المجردة غير لازمين له، فلم تكن الصيغة المجردة موضوعة للحقيقة مقيدة بأحدهما.
(قوله): «أو مستلزمة لها» عطف على الحقيقة[١]، أي: أن الحقيقة مستلزمة لها، أي: المرة، واعلم أن المؤلف جعل الاستلزام هاهنا مقابلا للتقييد، وهو مناف لما سبق؛ لأنه جعل الاستلزام فيما سبق داخلا في التقييد حيث قال: أو خارجاً لازماً ... إلخ.
(قوله): «يلزمه أن لا يعده ممتثلاً بالتكرار» فيلزم الاقتصار على المرة الواحدة، ويكون الإتيان بالمأمور به مرتين أو أكثر مخالفة للأمر، قال السعد: وقد يعترض بأن ما ذكر في حيز المنع؛ إذ المرة تحصل في ضمن التكرار، قال: اللهم إلا أن يراد بالمرة لزوم الاقتصار على المرة الواحدة حتى يكون الإتيان بمرتين أو أكثر مخالفاً للأمر.
(قوله): «لكنها تحصل البراءة والامتثال بكل واحدة من المرة والتكرار بالاتفاق» قال الشيخ العلامة في شرح الفصول: ألا ترى أن المأمور إذا أوقعه مرة واحدة كان موصوفاً بأنه امتثل الأمر، ولا يعتقد أن حاله في لزوم حكم الأمر له وبقائه عليه كحاله قبل إيقاعه، فعلم أنه بظاهره لا يقتضي التكرار، ثم قال الشيخ: واعترض بأن ما ذكر عين الدعوى؛ إذ لم يقع النزاع إلا في ذلك.
(١) فيه أنه إنما يلزمه ذلك لو قال بأنها للحقيقة المقيدة بالمرة فقط مع اعتبار عدم الزيادة حتى تنافي الزيادة مطلوبه، وليس مراده إلا اعتبار التقييد بالمرة وعدم اعتبار الزيادة، ولا يلزم من عدم الاعتبار اعتبار العدم. (من أنظار السيد العلامة هاشم بن يحيى |).
(٢) هذه الاستثنائية عن القضية الأولى الحاكمة بالتلازم.
(٣) يعني لما كانت البراءة تحصل هي والامتثال بكل واحدة من المرة والتكرار اتفاقاً لم تكن الصيغة موضوعة للحقيقة مقيدة بأحدهما.
(*) هذا عند من يقول: إنه موضوع للمرة، وأما من يقول بأنه موضوع للتكرار فلا براءة ولا امتثال بدونه فتأمله، والله أعلم. (ع).
[١] بل الظاهر أنه عطف على قوله: المقيدة، ولكن لا تخلو العبارة عن قلق من حيث عدم التعريف فتأمل، والله أعلم. (ح عن خط شيخه).