هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 503 - الجزء 2

  عما نحن فيه، يعني فلا دلالة لصيغة الأمر عليها أصلاً، ويستفاد من كلامه هذا أن أمر الندب لا دلالة له على ضده أصلاً، ولكنه قد أراد بالضد خلاف ما أراده المتكلمون في هذه المسألة؛ لأنهم صرحوا بأن المراد بالضد الذي فيه الخلاف هو الضد الوجودي⁣(⁣١).

  وقد نقل السبكي عكس ما نقله ابن الحاجب، وهو أن النهي عند بعضهم أمر بالضد إيجاباً أو ندباً بناء على أن المطلوب في النهي فعل الضد، بخلاف الأمر فإن


(قوله): «يعني فلا دلالة لصيغة الأمر عليها» بل إنما تدل على المنع من الترك.

(قوله): «ويستفاد من كلامه ... إلخ» إذ لا منع عن الترك في أمر الندب.

(قوله): «ولكنه» أي: القرشي.

(قوله): «هو الضد الوجودي» كالحركة والسكون لا ترك المأمور به، وقد عرفت بيان ذلك من المنقول عن شرح الجمع فيما سبق.


= اجتماعهما لذاتيهما في ذات واحدة ويكون بينهما غاية الخلاف، كالسواد والبياض، وهذا ما رضيه صاحب الرسالة الشمسية وصدره في شرح المحصل، قال: واحترزنا بوصفين عن الذوات فإنها لا تتضاد، وبقولنا: لذاتيهما عن الشيئين اللذين يمتنع اجتماعهما للصارف، وبقولنا: يكون بينهما غاية الخلاف احتراز عن السواد بالنسبة إلى ما بينه⁣[⁣١] وبين البياض كالحمرة والصفرة والخضرة، فإن السواد والبياض لا يضادان شيئاً منها، والمتكلمون لا يعتبرون هذا الشرط، بل يحكمون بأن السواد مضاد لجميع الألوان سواء كان في غاية البعد منه كالبياض أو لم يكن كالحمرة، والخلاف لفظي، وفيه نظر؛ لأنه لا يلزم من كون الغيرين مختلفين بالماهية وغير جائزي الاجتماع في ذات واحدة أن يكونا ضدين. هذا كلامه. وبعضهم قال: الضدان ذاتان لا يجتمعان بينهما غاية التباعد، وأراد بقوله: ذاتان إخراج العدم والملكة، لكنك قد عرفت مما ذكره الكاتبي من أنه لا يتأتى تضاد الذوات، وقد سبق لنا كلام في الكلام على الصفات التي أثبتها الأشاعرة مثل ما أشار إليه الكاتبي مؤيداً بالنقل عن سعد الدين. وقال الإمام المهدي في الرياضة نقلاً عن بعض المعتزلة من البهشمية وغيرهم: لا تضاد إلا بين الأعراض، قال: قلت: أو بين الجوهر والعرض كالفناء والجسم، وعن قوم أن الأجسام تضاد. اهـ وقد جعلوا التضاد حقيقياً ومشهورياً، فالحقيقي لا يكون إلا بين شيئين فقط، والمشهوري يكون بين شيئين فأكثر. اهـ كلامه والله أعلم.

(١) احتراز عن النقيض، وهو ترك المأمور به فإنه منهي عنه بلا خلاف، فقولنا: «قم» نهي عن ترك القيام، وهل هو نهي عن التلبس بضد من أضداده الوجودية كالقعود والاضطجاع؟ هذا موضع الخلاف. (غيث هامع).


[١] «ما» موصولة، أي: إلى الألوان التي بينه وبين البياض. اهـ منه.