هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 505 - الجزء 2

  وقيل: إنها لا تطلق على الجميع؛ إما لأن اتباع العرف أولى من اتباع القاعدة، والعرف لا يعد الأمر نهياً ولا النهي أمراً، وإما لأن الأمر اسم للصيغة لا للمعنى، وصيغة الأمر ليست نهياً ولا صيغة النهي أمراً بالاتفاق.

  احتج (الأول) بأن فعل (السكون) مثلاً (عين ترك الحركة) إذ البقاء في الحيز الأول هو بعينه عدم الانتقال إلى الحيز الثاني، وإنما الاختلاف في التعبير، وإذا ثبت أنهما شيء واحد (فطلبه) أي: فعل السكون هو (طلب تركها) أي: الحركة؛ لاتحاد المطلوب فيهما.

  (ورد برجوع النزاع لفظياً⁣(⁣١) في تسمية فعله) أي: السكون (تركاً للضد) وهو الحركة (وطلبه نهياً) عنه، وكان طريق ثبوته النقل لغة، ولم يثبت.

  احتج (الثاني⁣(⁣٢)) بأنه (لا يتم الواجب والمندوب إلا بترك ضده) لأن الضد الذي فيه النزاع هو ما يمنع عن فعل المأمور به، فلو لم يستلزم الأمر بالشيء النهي عما يمنع عن فعله فلا أقل من التخيير في فعل المانع وتركه على السواء، وأنه يرفع تحتم المأمور به أو رجحانه، وهو باطل، وما أدى إلى الباطل باطل، فثبت أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده، وهو المطلوب.


(قوله): «هو طلب تركها» يعني ولا معنى للنهي عن الشيء سوى طلب تركه.

(قوله): «ولم يثبت» أي: النقل لغة، على أنه إنما يتم في مثل الحركة والسكون مما يكون أحدهما عدماً للآخر، بخلاف الأضداد الوجودية كالقيام والقعود، ذكره الشيخ نقلا عن الحواشي.

(قوله): «تحتم المأمور به» كما في الواجب، وقوله: «أو رجحانه» كما في المندوب.


(١) ولا نزاع في المعنى؛ لأن الاتفاق حاصل على أن المطلوب بلفظ «اسكن» ليس إلا معنى السكون، وهو كون الجسم في حيز واحد، وتسميته ترك حركة وطلبه نهياً لا يوجب تعدد معناه، وإنما تعدد اللفظ فقط فسمي سكوناً وترك حركة، وأنه مما لا طائل تحته؛ لأن حاصله أنه معنى واحد عبر عنه بلفظ واحد أو بلفظين مترادفين. (شرح السيد عبدالرحمن جحاف |).

(٢) القائل بأنه يستلزمه بأن الأمر طلب الفعل وطلب الفعل، وإن كان مستغنياً عن تعقل ترك ضده لكنه لا يتم في الخارج إلا بترك ضده؛ فاستلزمه لزومياً خارجياً لا ذهنياً. (شرح غاية لجحاف).