[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  من الرسول لأمر الله ومن الوزير لأمر الملك، ولا نزاع(١) فيه.
  ويتنزل على هذه المسألة: لو أوجب على المأمور أن يأخذ من غيره شيئاً فإنه لا يكون إيجاباً للإعطاء على ذلك الغير(٢)، كما في قوله تعالى لنبيه ÷: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة: ١٠٣] فإنه لا يدل بنفسه على وجوب إعطاء الصدقة على الأمة، بل إنما يجب بدليل آخر كـ: {.. آتُوا حَقَّهُ}[الأنعام: ١٤١]، {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}[التوبة: ٣٤]، وكالأدلة الدالة على طاعة الرسول ÷ فيما يحكم به، ولو لم يكن إلا التعظيم له وإزاحة ما في مخالفته من التحقير والهضم في أعين الناس المخالف لمقصود البعثة، وإلا فلا استبعاد في قول السيد لأحد عبيده(٣): أوجبت عليك الأخذ من الآخر، وللآخر: لم أوجب عليك الإعطاء له، ولو كان القول الأول إيجاباً للإعطاء في حق الآخر لكان مناقضاً لقوله الثاني، والأخذ الواجب وإن كان لا يتم من دون الإعطاء لا يستلزم وجوب الإعطاء بناء على أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ لتخصيص ذلك بالمقدور، وإعطاء الغير ليس مقدوراً لمن وجب عليه الأخذ، فلا يجب.
(قوله): «ولو لم يكن» يعني من الأدلة.
(قوله): «والأخذ» مبتدأ، خبره لا يستلزم.
(قوله): «على أن ما لا يتم الواجب ... إلخ» لكن وجوب ما لا يتم الواجب إلا به يختص بمن وجب عليه نفسه، وهنا وجوب الأخذ على النبي ÷، ووجوب ما لا يتم الواجب إلا به على الأمة، وقد أفاد المؤلف # ما ذكرنا بقوله: لتخصيص ذلك بالمقدور ... إلخ.
(١) وليس الغرض أمرهما بالأمر من قبل نفسه الذي هو محل النزاع. (عضد). قوله: «أمرهما» أي: أمر الله وأمر الملك إضافة إلى الفاعل، أو أمر الرسول وأمر الوزير إضافة إلى المفعول، بالأمر أي: بأن يأمر الرسول أو الوزير من قبل نفسه. (سعد الدين).
(٢) قال الزركشي: مسألة: إذا أوجب الله على رسوله شيئاً لا يتأتى إلا بغيره مثل أن يوجب عليه أخذ الزكاة، فهل يتضمن هذا الأمر إيجاب إعطاء الزكاة على أرباب الأموال أم لا؟ فيه خلاف حكاه ابن القشيري[١] فقال: قال بعض الفقهاء: يجب عليهم بنفس ذلك الأمر، ولعلهم يقربون هذا من قولنا: الأمر بالصلاة أمر بالوضوء. وقال القاضي: يجب على أرباب الأموال الابتدار إلى الإعطاء لا من جهة الأمر بأخذ الزكاة؛ لأنه ليس في إيجاب الأخذ على الرسول إيجاب الإعطاء على الغير، بل بالإجماع؛ لأنه إذا وجب عليه الأخذ يأمر بالإعطاء، وأمره واجب، وأجمعت الأمة على وجوب الإعطاء عند وجوب الأخذ عليه حكماً لله سبحانه.
(٣) في نسخة: عبديه.
[١] في المطبوع: البشيري. والمثبت من جمع الجوامع للزركشي.