[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  انسحاب حكمه على جميع الأزمان(١) (والفور) أي: تعجيل الانتهاء عن المنهي
(قوله): «إما جمعاً كالحرام المخير» هكذا في جمع الجوامع، قال فيه: النهي قد يكون عن واحد ومتعدد، جمعاً كالحرام المخير، وفرقاً كالنعلين، والمراد بالنهي عنه جمعا أن يكون النهي عن الهيئة الاجتماعية[١] كما صرح به في جمع الجوامع، والمؤلف # حيث قال: فالمحرم جمعهما، ثم إن المؤلف # عقب ذلك بالتمثيل بنحو لا تتناول السمك واللبن وبنحو تحريم الجمع بين الأختين، فهذا التعقيب موهم أن التمثيل صالح لهما، وليس كذلك؛ فإن المشهور في الحرام المخير تمثيله بنحو لا تفعل هذا أو هذا كما في الفصول وشرح الجوهرة والجواهر، ومثله في المحلي، فينبغي أن يقال: هذا التمثيل عائد إلى ما نهي عنه جمعا فقط، ويكون المراد بقوله: كالحرام المخير أنه مثله في أن حكمهما ومؤادهما واحد لا في مثاليهما[٢]، وقد أشار المؤلف # بقوله: فعليه ترك أحدهما ... إلخ إلى ما ذكرنا، فإن هذا الحكم ثابت فيهما، فلو قدم المؤلف # هذا التمثيل على قوله: كالحرام المخير وقال بعد قوله: كالحرام المخير: فعليه ترك أحدهما ... إلخ لكان أولى. ولا يصح أن يريد بقوله: كالحرام المخير أنه مثله في متعلق التحريم؛ إذ لا يجري ذلك فيما نهي عنه جمعا، وذلك لأن متعلق التحريم في الحرام المخير كل واحد بدلا أو الأحد المبهم أو معين عند الله أو ما يترك، وذلك لما سيأتي في أن الحرام المخير كالواجب المخير، وليس ما نهي عنه جمعاً كذلك؛ فإن متعلق التحريم فيه نفس الجمع كما عرفت، لكن في كلامه # ما ينافي كون المتعلق نفس الجمع حيث قال: وفي بعض عبارات أصحابنا ... إلخ، فإن العبارة مشعرة بتزييفه، فيكون كالتنبيه على أن الأشهر في عباراتهم أن المتعلق ليس نفس الجمع، ففي الكلام انضراب[٣]؛ ولذا نقل عن خط المؤلف # هاهنا ما لفظه هكذا: ينظر، تنبيهاً منه # على إشكال المقام. وأما قوله #: وهذه المسألة كالواجب المخير فإن كانت الإشارة إلى ما نهي عنه جمعاً لكونها هي المقصود بالبحث، وقصد استواءهما في التعلق - فلا مساواة بين المسألتين؛ لأن متعلق النهي في هذه المسألة نفس الجمع، ومتعلق الوجوب في الواجب المخير نفس الأفراد أو أحدها أو ما يفعل أو معين عند الله كما عرفت ذلك فيما سبق في مباحث الأحكام، وإن قصد استواءهما في الحكم والمضمون فله وجه، إلا أن قوله: والخلاف في متعلق التحريم كالخلاف في متعلق الوجوب يشعر بإرادة استوائهما في المتعلق. وإن كانت الإشارة إلى الحرام المخير استقام كونه كالواجب المخير في المتعلق والحكم كما سيأتي بيانه، ووافق ما هو المشهور من كون الحرام المخير كالواجب المخير، وتحقيق الكلام يحتاج إلى بسط فإنه من مزالق هذا الكتاب، وذلك أن المؤلف # قد أشار إلى ثلاث مسائل: مسألة الواجب المخير وقد عرفتها في مباحث الأحكام، ومسألة ما نهي عنه جمعاً، ولم يذكرها ابن الحاجب وشراح كلامه أصلاً، وإنما ذكرها أصحابنا وأوردوها في بحث مستقل، ومثولها بالجمع بين الأختين، ولم يجعلوها كالحرام المخير كما فعل المؤلف # وصاحب الجمع، ولا كالواجب المخير، والثالثة مسألة الحرام المخير، وهذه المسألة ذكرها ابن الحاجب وشراح كلامه، وشبهوها بالواجب المخير، ومثلها في الجواهر بنحو لا تكلم زيداً أو عمراً، قال ابن الحاجب: مسألة يجوز أن يحرم واحد لا بعينه خلافاً للمعتزلة، وهي كالمخير. قال في الجواهر: التخيير هاهنا في التروك وهناك في الأفعال[٤]، فكما أن للمكلف في الواجب المخير أن يأتي بالجميع وأن يأتي بالبعض =
(١) لأن الترك في الحال الدائم، وإلا لم يتحقق الترك؛ لأن السلب الكلي يناقضه الإيجاب الجزئي. (شرح غاية لجحاف).
[١] وكذلك المراد بما نهي عنه عن الهيئة الافتراقية. (السيد أحمد بن محمد ح).
[٢] لقائل أن يقول: إذا اتحد الحكم والمؤدى لزم اتحاد المثال؛ إذ هو - يعني المثال - جرى لإيضاح القاعدة، فينظر، والله أعلم. (السيد أحمد بن إسحاق بن إبراهيم ح).
[٣] في حاشية ما لفظه: يريد أن مقتضى عبارة المتن أن متعلق النهي نفس الأشياء والجمعية قيد لها، وما في عبارة الأصحاب خلاف ذلك، وهو أن المنهي عنه الجمع لا الأشياء، فلا انضراب في العبارة كما قال في الحاشية. (ح).
[٤] التظنن بالفعل، وعبارة الجواهر: لأن التخيير هاهنا في التروك وهناك في الأفعال، فلا حاجة إلى تظنين. (ح).