هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 529 - الجزء 2

  عنه؛ وذلك لأنها المتبادرة إلى الفهم عند التجرد عن القرائن، ولأنه لو لم يكن كذلك


= ويترك البعض كذلك له في الحرام المخير أن يترك الجميع وأن يترك البعض دون البعض، وكما لا يجوز له الإخلال بالأفعال جميعاً بل يجب عليه فعل شيء منها في الواجب المخير كذلك لا يجوز له الإخلال بالتروك جميعاً بل يجب عليه ترك شيء منها. وأصحابنا أيضاً ذكروا مسألة الحرام المخير إلا أنهم عبروا عنها بالنهي على البدل، ومثلوها بنحو لا تفعل هذا أو هذا، قال في شرح الجوهرة: النهي على البدل صورته أن يقول الناهي: لا تفعل هذا أو هذا؛ لأن النهي على البدل هو النهي على التخيير؛ لأنه في مقابلة الأمر على التخيير، والأمر على التخيير صورته أن يقول الآمر: افعل كذا أو كذا. وقال في الفصول: وأما النهي على البدل فالخلاف فيه كما تقدم فيما أمر به على التخيير، قال الشيخ العلامة في شرحه: يعني أن المحرم كل واحد منهما على البدل أو واحد مبهم وهو ما يحصل في ضمن واحد منها أو معين عند الله أو هو ما يترك، ومثل له في الفصول بنحو لا تكلم زيداً أو عمراً أو بكراً. هذا، واعلم أن المؤلف # ألحق هذه المسألة - أعني ما نهى عنه جمعاً - بالحرام المخير في معرفة أحكامها ولم يكن قد تكلم على مسألة الحرام المخير فيما سبق في مباحث الأحكام، وكان اللائق ذكر أحكامها ومثالها والخلاف فيها هنالك لتعرف أحكام هذه المسألة منها كما فعل صاحب جمع الجوامع، فإنه تكلم في مقدمة كتابه على مسألة الحرام المخير وذكر خلاف المعتزلة فيها وشبهها بالواجب المخير، ثم ذكر هاهنا مسألة ما نهي عنه جمعاً وشبهها بالحرام المخير كما عرفت، ولعل المؤلف # اكتفى بالإشارة إلى مسألة الحرام المخير لما فهيا من الإشكال فلم يستوف الكلام عليها، ووجه الإشكال أن القول بأن المحرم في نحو لا تفعل هذا أو هذا أحدهما لا بعينه كما ذكره ابن الحاجب وصاحب الجمع يرد عليه ما سيأتي من أن الانتهاء عن الكلي الطبيعي لا يحصل إلا بالانتهاء عن كل فرد، فيلزم نفي الحرام المخير، والقول بأن متعلق التحريم كل واحد بدلا كما ذكره أصحابنا ينافيه قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ٢٤}⁣[الإنسان]، فإن المراد النهي عن كل واحد منهما جميعاً لا بدلاً⁣[⁣١]، وقد استشكل الإمام المهدي # في المنهاج إثبات مسألة الحرام المخير، واعترض ما ذكره ابن الحاجب وغيره من جعلها كالواجب المخير بأن المنهي عن أشياء على التخيير لا يمتثل إلا بترك جميع تلك الأشياء، بخلاف الأمر على التخيير فإنه يعد ممتثلاً بفعل واحد، قال في المنهاج: ألا ترى أن القائل إذا قال: لا تأخذ هذا الثوب أو هذا أو هذا كان معناه دع هذه الثلاثة جميعاً ولك أن تأخذ ما عداها، قال: والعجب من ابن الحاجب كيف غفل عن هذا وقد أجيب عما ذكره الإمام المهدي # بأن ما ذكره ابن الحاجب ومن معه حق باعتبار أصل اللغة ووضعها، وما ذكره الإمام المهدي # حق باعتبار عرف اللغة واستعمالها، وقد صرح بذكر الطرفين نجم الأئمة الرضي، فلا سهو من ابن الحاجب ومن معه ولا غفلة، وذلك أنه ذكر⁣[⁣٢] في شرح الكافية بعد أن ذكر معاني أو العاطفة ما حاصله: أنك إذا أردت النهي عن ضرب أحد شخصين لا عن ضربهما قلت: لا تضرب زيداً أو عمراً؛ لأن المعنى لا تضرب أحدهما واضرب الآخر، كما كان في الأمر معناه اضرب أحدهما ولا تضرب الآخر، وهذا هو مقتضى أصل الوضع، ثم بعد ذلك جرت عادتهم أنه إذا استعمل لفظ الأحد وما يؤدي معناه في غير الموجب فمعناه العموم في الأغلب، ويجوز أن يراد الواحد فقط، فيكون معنى لا تضرب زيداً أو عمراً لا تضرب واحداً منهما فكيف بما فوق الواحد، أي: المراد النهي عن ضربهما جميعاً، فيكون بمعنى لا تضرب زيداً ولا عمراً في الأظهر الأغلب، ويحتمل احتمالاً مرجوحاً أن يكون المعنى لا تضرب أحدهما واضرب الآخر، ويدفع هذا الاحتمال القرينة في قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ٢٤}⁣[الإنسان]؛ إذ لا يجوز أن يراد ولا تطع واحداً منهما وأطع الآخر لقرينة الآثم والكفور، قال نجم الأئمة: فلفظة أو في جميع الأمثلة⁣[⁣٣] موجبة كانت أو غير موجبة لأحد الشيئين أو الأشياء، ثم معنى الوحدة في غير الموجب تفيد العموم، فلم تخرج «أو» مع القطع بالانتهاء عن كل واحد في نحو: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ٢٤} عن معنى الوحدة التي هي موضوعة له، نقلنا ما ذكره مع اختصار ألفاظه لافتقار المقام إليه، والله أعلم.


[١] الظاهر أن العبارة جمعاً لا بدلا.

[٢] أي: الرضي.

[٣] هذا متصل بكلام الرضي، ولفظة: والكفور ولفظة أو ... إلخ، فلا وجه لهذا الاستئناف. (حسن بن يحيى عن خط العلامة السياغي).