[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  لجاز إيقاع الفعل المنهي عنه ولو مرة واحدة، وهو باطل؛ لأن النهي مطلقاً يفيد المنع من المنهي عنه مطلقاً، ووقوعه يرفع مطلق الامتناع، ولأن العلماء لم يزالوا يستدلون به على الترك مع اختلاف الأوقات لا يخصصونه بوقت دون وقت، ولولا أنه لما ذكرناه لما صح ذلك.
  (و) النهي (يكون) إما (عن شيء) واحد، وهو ظاهر (أو أشياء) متعددة (إما جمعاً) كالحرام المخير نحو: لا تتناول السمك واللبن، ومنه تحريم الجمع بين الأختين، فعليه ترك أحدهما فقط، ولا مخالفة إلا بفعلهما جميعاً، فالمحرم جمعهما لا فعل أحدهما. وهذا المسألة كالواجب المخير، والخلاف في متعلق التحريم كالخلاف في متعلق الوجوب.
  وفي بعض عبارات أصحابنا ما يفيد أن متعلق النهي نفس الجمع.
  ولا بد في حسن هذا من إمكان الجمع لئلا يكون النهي عبثاً، وإمكان الفرق لئلا يكون تكليفاً بالمحال.
(قوله): «فعليه ترك أحدهما فقط ... إلخ» هكذا في شرح الجمع بكلمة على المشعرة بالوجوب، وعبارة شرخ المختصر له ترك أيها شاء باللام، ومثله في الفصول، وقد اعترض السعد عبارة شرح المختصر بأن الأنسب أن يقال عليه ترك أيها شاء بكلمة على المشعرة بالوجوب، وبنى على اعتراضه المؤلف # وشارح الجمع، لكن كان الأولى مع الإتيان بكلمة على أن يقال: فعليه ترك أحدهما أو تركهما، فإنه مخير بين التركين، وزيادة كلمة «فقط» تنافي ذلك[١]، وقد أشار إلى ما ذكرناه بعض المحققين من أهل حواشي شرح المختصر.
(قوله): «فالمحرم جمعها» هذا يجري في الحرام المخير كما صرح به في الفصول حيث قال في نحو لا تكلم زيداً أو عمراً أو بكراً وليس[٢] له الجمع بين كلامهم.
(قوله): «كالخلاف في متعلق الوجوب» قد عرفت تحقيق هذا المقام مما تقدم.
(قوله): «وفي بعض عبارات أصحابنا ... إلخ» أما في النهي عن الجمع فقد عرفت ما في الفصول وشرح الجوهرة، وأما في الحرام المخير فلم أقف على عبارة تفيد أن متعلق النهي فيه نفس الجمع فينظر.
(قوله): «ولا بد في حسن هذا ... إلخ» هذا الشرط ذكره أصحابنا في النهي عن الجمع، وهي مسألة مستقلة كما عرفت، لا في مسألة الحرام المخير، وأما المؤلفُ فقد جمع بينهما، وقد عرفت ما فيه من الكلام.
(قوله): «من إمكان الجمع لئلا يكون النهي عنه عبثاً» كالنهي عن الجمع بين القيام والقعود، وإنما كان عبثاً لأنه يجري مجرى نهي الهاوي من شاهق عن الاستقرار.
(قوله): «وإمكان الفرق بينهما» فلو لم يمكنه إلا الجمع بينهما كان تكليفاً بالمحال، نحو: اركع ولا تجمع بين الحركة والاعتماد.
[١] ينظر؛ فالترك لأحدهما هو الواجب الذي لاحظه بقوله: فقط، بخلاف تركهما جميعاً فليس بواجب، وهو مقتضى قوله: فإنه مخير، فزيادة كلمة فقط في محلها، كما أن ترك القسم الثاني من التركين في محله فليتأمل. (سيدي أحمد بن حسن بن إسحاق ح).
[٢] في المطبوع: إذ ليس. والمثبت من الفصول.