[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  كالنهي عن بيع حبل الحبلة(١) لجهالة المبيع أو أجل الثمن على التفسيرين المشهورين،
= فإضافة الحكم إلى الذات لا إلى الشرع؛ فلهذا عدل المؤلف # عما ذكره صاحب الفصول في تفسير المنهي عنه لعينه أو لوصفه، وجعل المنهي عنه لعينه ما رجع إلى نفس المنهي عنه والمنهي عنه، لوصفه ما رجع النهي إلى وصفه، فيتأتى حينئذ مثاله في الشرعيات بما ذكره من صوم الحائض وبيع حبل الحبلة والملاقيح؛ إذ قد نهي عن نفس صوم الحائض الخاص وعن بيع حبل الحبلة الخاص من غير توقف على النهي عن جنس الصوم وجنس البيع كما لزم من تفسير صاحب الفصول، وتكون معرفة المناهي الثلاثة تتوقف[١] على النظر في الصورة الجزئية ما الذي يرجع النهي فيه إلى العين وما يرجع إلى الصفة أو إلى أمر خارج، ومدار ذلك على استيفاء الصور كما في أصول الحنفية والشافعية، ولم يستوفها المؤلف # تبعاً لما عليه أصحابنا في كتبهم، وحينئذ فلا تظهر في كتب أصحابنا فائدة للتقسيم إلى الثلاثة الأقسام، لا سيما مع جعل المؤلف # الفساد مرادفاً للبطلان وجعل الخلاف فيما نهي عن عينه وصفته واحداً كما ذكره المؤلف، وإنما يظهر ذلك عند من يفرق بين الفاسد والباطل مع استيفاء الصور الجزئية كما في أصول الحنفية، فإن جمهور أئمتنا وإن قالوا بالفرق بينهما أيضاً فلم يستوفوا تلك الصور كما في أصول غيرهم، ولذا قال الشيخ العلامة لطف الله ¦ في شرح الفصول: اعلم أن هذا التقسيم إلى الثلاثة الأقسام والحكم فيها بالأحكام المذكورة ذكرته الحنفية والشافعية على اختلاف لهم في تفسير المنهي عنه لعينه والمنهي عنه لوصفه، وذكر الإمام يحيى # ما ذكروه وتبعه صاحب الفصول، ولم يستوفيا كلامهم في تفسيرها وإبداء الفروق التي حاولوها [بين الثاني والثالث][٢] يظهر ذلك لمن تتبع كلامهم سيما التنقيح وشرحيه وكذا البيضاوي وشارحوا كلامه ذكروا من ذلك شيئاً، قال: ولو اقتصر صاحب الفصول على ما ذكره المتقدمون من أهل المذهب كأبي طالب والمنصور بالله وصاحب المقنع[٣] والقاضي عبدالله بن زيد وغيرهم من الكلام في أن النهي على الإطلاق هل يقتضي فساد المنهي عنه أو لا يقتضيه لكان أولى[٤]، فإنها لم تظهر نتيجة لهذا التقسيم الذي تابعهم فيه سوى الحيرة والاضطراب، نعم تظهر لذلك نتيجة عند الحنفية في الفرق بين الفاسد والباطل، وأما عند أصحابنا وإن كانوا يقولون بالفرق بينهما ما عدا الناصر # فلم يظهر انضباط ذلك عندهم بما انضبط به عند الحنفية كما يعرف ذلك متتبع كلامهم في الفروع انتهى. فتأمله فهو كلام متجه، وقد اعترض الشيخ العلامة أيضاً في المنهي عنه لأمر خارج بأنه لا يظهر فرق بني البيع وقت النداء والصلاة في الدار المغصوبة، فإنه كما يحصل تفويت الصلاة بغير بيع يحصل الغصب بغير صلاة، قلت: وإن أجاب أصحابنا عن هذا بأن الغصب إنما حصل بصلاة شخصية فلا تنفك عن الغصب فللمخالف أن يقول: وكذلك التفويت حصل ببيع جزئي شخصي فلا ينفك عن التفويت أيضاً.
(قوله): «على التفسيرين المشهورين» هل هو بيع نتاج النتاج أو التأجيل بالثمن إلى بيع نتاج النتاج كما ذكره في الكواكب وغيره.
(١) في النهاية: نهي عن بيع حبل الحبلة، الحبل بالتحريك مصدر سمي به المحمول كما سمي بالحمل، وإنما أدخلت عليه التاء للإشعار بمعنى الأنوثة فيه، فالحبل الأول يراد به ما في بطون النوق من الحمل، والثاني حبل الذي في بطون النوق. وإنما نهي عنه لمعنيين: أحدهما: أنه غرر وبيع شيء لم يخلق بعد، وهو أن يبيع ما سوف يحمله الجنين الذي في بطن الناقة على تقدير أن يكون أنثى، فهو بيع نتاج النتاج. وقيل: أراد بحبل الحبلة أن يبيعه إلى أجل ينتج فيه الحمل الذي في بطن الناقة، فهو أجل مجهول فلا يصح.
[١] يقال: أما معرفتها فلا تتوقف على ما ذكر، نعم، لا يظهر للتقسيم فائدة كما ذكره عن الشيخ، لكن عند من قسمها، وأما مع ما صنع المؤلف من التعميم بقوله: سواء رجع ... إلخ فلا يرد عليه شيء من ذلك، والله أعلم. (حسن بن يحيى الكبسي | عن خط العلامة أحمد بن محمد السياغي).
[٢] ما بين المعقوفين من شرح الفصول للغياث.
[٣] الإمام الداعي إلى الله يحيى بن المحسن #.
[٤] جواب لو اقتصر. (ح).