هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 536 - الجزء 2

  والمنصور بالله ومالك وأبو حنيفة في رواية والظاهرية وأكثر الشافعية وطائفة من المتكلمين والشافعي في أصح الروايتين عنه من غير فرق بين العبادات والمعاملات.

  وهذا (ما لم يعد) النهي (إلى أمر) خارج غير لازم (مقارن) للمنهي عنه (في) باب (المعاملات) وأما إذا عاد إليه في بابها فإنه لا يدل على الفساد عند الجمهور.

  وذهب الإمام أبو الفتح الديلمي إلى أنه يدل عليه فيه أيضاً، وهو مروي عن مالك وأحمد، وذلك كالنهي عن البيع وقت النداء للجمعة، فإن النهي فيه راجع إلى تفويت الجمعة لا إلى نفس البيع أو جزئه أو لازمه، وكالنهي عن تلقي الركبان وعن بيع الحاضر للبادي؛ لأن النهي فيهما إنما هو للتضييق على أهل البلد.

  وأما في العبادات فالنهي يدل على فسادها مطلقاً على المختار.

  ولا يرد الحج بمال حرام والوقوف والطواف على جمل وثوب مغصوب، والوضوء من إناء مغصوب؛ لأنه لم يرد في الشرع إلا النهي عن غصب مال الغير


(قوله): «مقارن» ظاهره أنه بيان لغير الملازم، وفي الفصول: يقارنه تارة ويفارقه أخرى، وهو أوفى وأظهر؛ إذ المقارن هو الملازم.

(قوله): «أبو الفتح الديلمي» ذكره في تفسير سورة الجمعة، كذا في حواشي الفصول.

(قوله): «وذلك كالنهي عن البيع وقت النداء» لقوله تعالى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ}⁣[الجمعة: ٩]، فإن الأمر بترك البيع يقتضي ما يقتضيه النهي عنه، أعني المنع من فعله، فله حكم النهي.

(قوله): «لا إلى نفس البيع» يعني كما في صوم الحائض.

(قوله): «أو جزئه» يعني كما في بيع حبل الحبلة. وقوله: «أو لازمه» يعني كما في بيوع الربا.

(قوله): «وأما في العبادات فالنهي يدل على فسادها مطلقا» سواء رجع إلى وصف ملازم أو أمر خارج مقارن. وقوله: «على المختار» إشارة إلى ما سيأتي من القول بعدم دلالة النهي على الفساد مطلقا.

(قوله): «ولا يرد الحج بمال حرام ... إلخ» يعني لا يرد أن هذه الأشياء مما نهي عنه لأمر خارج في العبادات مع أنها صحيحة محرمة، وهذا بناء على أن الوصف عبادة كما في شرح الفصول للشيخ العلامة ناقلا عن حواشيه حيث قال: العبادة هي الطاعة التي تؤدي مع ضرب من التواضع والخضوع على الوجه الذي أمر به مع علمه بأحوال المعبود، كالصلاة والصوم والوضوء.

(قوله): «لأنه لم يرد في الشرع إلا النهي عن غصب مال الغير واستعماله» يعني ولم يرد النهي عن الحج بمال حرام ونحو ذلك كما ورد في البيع وقت النداء، لكن يقال: المخالف في صحة الصلاة في الدار المغصوبة قائل بأنه لم يرد نهي عن الصلاة في الدار المغصوبة، وإنما ورد النهي عن غصب مال الغير، وقد سبق تحقيق ذلك، فيلزم من هذا القول تقرير ما ذكره المخالف في صحة الصلاة في الدار المغصوبة، وإن أجيب بأن الكلام في الصلاة في الفعل الشخصي وهي لا تنفك عن الغصب لزم مثل ذلك في البيع وقت النداء؛ إذ التفويت حصل ببيع شخصي، =