[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  واستعماله لا عن الحج والوضوء الموصوفين، على أنا لا ندعي إلا أن الفساد مقتضى النهي ظاهراً، فإذا قامت دلالة بخلاف الظاهر اتبعت.
  وأما ما وقع النهي عنه وليس عبادة ولا معاملة فإنما يدل على قبحه، كالزنا وشرب الخمر وأخذ مال الغير وغيرها من الحسيات.
  (قيل: و) يدل على الفساد أيضاً (لغة) وهذا القول لبعض القائلين بالمذهب الأول.
  (وقيل:) يدل عليه (في العبادات شرعاً) لا لغة دون المعاملات، وهذا مذهب أبي الحسين البصري وابن الملاحمي والغزالي في رواية عنه، والرازي والقاضي جعفر والشيخ الحسن الرصاص.
  (وقيل: لا يدل) عليه أصلاً لا في العبادات ولا في المعاملات، وهو مذهب كثير من الشافعية والحنفية وبعض أصحابنا والمعتزلة كأبي عبدالله البصري وأبي الحسن الكرخي والقاضي عبدالجبار.
  (وقيل: بل) يدل (على الصحة) وهو رأي أكثر الحنفية، وتحقيق مذهبهم يقتضي مزيد بسط فنقول: النهي إما أن يكون عن فعل حسي كالزنا وشرب الخمر، أو
= فالأولى في دفع الإشكال[١] اعتماد ذكره المؤلف # بعد هذا حيث قال: على أنا لا ندعي إلا أن الفساد ... إلخ.
(قوله): «وقيل لا يدل عليه أصلا لا في العبادات ولا في المعاملات وهو مذهب كثير من الشافعية والحنفية وبعض أصحابنا» وقد اختاره الإمام المهدي # في المعيار وتبعه صاحب الكافل، قال الشيخ العلامة | في شرح الفصول: ونقل[٢] هذا القول صاحب المقنع واستدل له، وسيأتي إن شاء الله تعالى الإشارة من المؤلف # إلى استدلاله في شبهة القول الثالث حيث قال: وأيضاً لو كان النهي مقتضياً للفساد ... إلخ.
(قوله): «وتحقيق مذهبهم يقتضي مزيد بسط» أطلق المؤلف في المتن عن الحنفية القول بدلالة النهي على الصحة من غير تفصيل كما أطلق ابن الحاجب ذلك أيضاً عنهم واستبعده في شرح المختصر حيث قال في الحواشي: إن بطلان هذا المذهب يكاد يلحق بالضروريات ... إلخ؛ للقطع بأن ليس مدلول لا تبع هذا بذاك سوى طلب الكف عنه وتحريمه إما مع لزوم الفساد أو بدونه، وأما كون الصحة مدلوله التضمني أو الالتزامي فلا، قال: والحنفية يقلبون القضية ويدعون ظهور ذلك ودلالة النهي على الصحة وإلا لم يكن للنهي معنى، قال: وهذا عندهم من المباحث المشهورة؛ فلذا حقق المؤلف # مذهبهم بما يلزمهم من الاستبعاد ما لزمهم مع إطلاق القول بالصحة، وذلك لأنهم مع هذا التحقيق لا ينفون الفساد مطلقا ولم يحكموا بالصحة مطلقا؛ لقولهم بصحة الأصل وفساد الوصف، لكن سيأتي استدلال المؤلف # للحنفية بأن المنهي عنه شرعي، وكل شرعي صحيح، ومثله ذكر ابن الحاجب، فهذا الاستدلال يقتضي[٣] أنهم قائلون بدلالة النهي على الصحة مطلقا من غير فرق، فينظر.
[١] ولقائل أن يقول: وجه الفرق بين الصلاة في الدار المغصوبة والحج بمال حرام هو أن الصلاة الشخصية هي عين استعمال تلك العين المحرمة شرعاً، فلزم في الشخصية كون الشيء واجباً حراماً، وإما في مسألة الحج فلم تكن أعماله التي هي الإحرام والطواف ونحوهما نفس الغصب، وكذلك البيع وقت النداء لم يكن عين التفويت فلم يكن ذلك البيع واجباً حراماً، وبالجملة فبين المسألتين بون لا يخفى، وأما مجرد الشخصية فليس هو المقتضي لعدم الصحة للصلاة بمجرده لولا لزوم اجتماع كون الشيء واجباً حراماً، والله أعلم. (السيد أحمد بن إسحاق بن إبراهيم | ح).
[٢] في شرح الفصول: ونصر.
[٣] الظاهر عدم المنافاة؛ لما سيأتي بأن المراد بالشرعي الصحيح صحيح الأصل وإن كان فاسداً بالوصف. (ح عن خط شيخه).