[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  يزالوا يستدلون عليه(١)) أي: على الفساد لا على مجرد التحريم(٢) (بالنهي) لا بخصوص القرائن (في الربويات) مثل: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا}[آل عمران: ١٣٢]، {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}(٣) [البقرة: ٢٧٨]، (والأنكحة) مثل: {وَلَا تَنْكِحُوا
= كرجوعهم إلى قوله: «لا تنكح المرأة على عمتها» الخبر[١] في فساد هذا العقد من غير [اعتبار أمر سواه. وكرجوعهم إلى نهبه عن بيع الغرر وبيع ما لم يقبض وبيع الإنسان ما ليس عنده في فساده هذه العقود من غير][٢] اعتبار معنى سوى ذلك، وكرجوعهم عند الاختلاف في حكم الربا نقداً أو نسيئة إلى خبر أبي سعيد الخدري وعبادة بن الصامت ® في النهي عنه نقداً، وكذا ما روي من رجوع ابن عباس عن مذهبه في ذلك حين روي له هذا النهي، وكذا رجع كثير منهم إلى نهيه ÷ عن نكاح المحرمة ونكاح الشغار في فساد هذين العقدين، ولم يحك عمن خالف في هاتين المسألتين أنهم أنكروا على مخالفيهم الرجوع إلى النهي والاستدلال به، وإنما نازعوهم في ذلك واعترضوا[٣] استدلالهم بالنهي من وجوه أخر، فصار إجماعاً منهم على أن النهي المتناول للأفعال الشرعية من حقه أن يكون مقتضياً لفسادها ما لم تدل دلالة على خلاف ذلك.
(قوله): «لا بخصوص القرائن» إشارة إلى ما ذكره أبو طالب # في المجزي حيث قال: فإن قيل: ومن أين لكم[٤] أنهم حكموا بفساد هذه الأحكام من عقود وغيرها لأجل النهي [المتناول][٥] دون أمر آخر؟ فالجواب أن الدليل عليه هو ما بيناه هاهنا وفي مسألة الأوامر من أنه إذا ظهر منهم الحكم بالفساد عند ورود النهي ورجوعهم إليه وتمسكهم به عند الاختلاف من غير اعتبار أمر آخر وجب القطع على أنهم علقوا الحكم به واستفادوه من جهته؛ إذ لو كان هناك أمر آخر لاعتبروه في هذا الباب ووجب[٦] نقله كما نقل هذه المسائل واختلافهم فيها ورجوعهم إلى ما رجعوا إليه من النهي على ما بيناه في مسألة الربا وغيرها، ثم قال: فإن قيل: إذا وجدناهم قد حكموا بفساد ما تناوله النهي في بعض المواضع، وحكموا بصحته في موضع آخر - فلم صار حكمهم بالفساد دلالة على أن من حق النهي أن يقتضي الفساد أو يحمل عليه أولى من أن يحكم بأن النهي بمجرده لا يقتضي الفساد استدلالا بفعلهم في المواضع الآخر؟ ثم قال: فالجواب أنه إذا ثبت أن الحكم بفساد المنهي عنه إنما علقوه بالنهي فقط في الموضع الذي حكموا به من دون اعتبار أمر آخر على ما بيناه وأوضحنا الحال فيه صار هذا أصلا فيما ذهبنا عليه ودلالة عليه، فإذا وجدناهم في مواضع لم يحكموا بفساد المنهي عنه وجب أن يحمل ذلك على أنهم عدلوا عن هذا الأصل ولم يحكموا فيه بالفساد لدلالة دلت عليه، كما يعدل عن مقتضى صيغة العموم إلى الحكم[٧] بالخصوص، وعما تقتضيه حقيقة اللفظ إلى مقتضى مجازه إذا دلت الدلالة عليه، وهذا بين.
(١) ورد بأنه ليس بإجماع، ولو سلم فإنه ليس بحجة. (من عصام المتورعين للجلال).
(٢) يعني لا يقتصرون عليه.
(٣) وكقوله ÷: «لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ..» إلى آخر الحديث. (رفو للنيسابوري).
[١] ظنن بعد هذا بزيادة: عند الاختلاف، والتظنين بخط مؤلف الروض النضير.
[٢] ما بين المعقوفين من المجزي.
[٣] في المطبوع: وعارضوا استدلالهم بالنهي عن وجوه أخر. والمثبت من المجزي.
[٤] في المطبوع: لهم.
[٥] ما بين المعقوفين غير موجود في المجزي.
[٦] في المجزي: إذ لو كان هناك أمر آخر اعتبروه في هذا الباب وجب نقله.
[٧] في المطبوع: للحكم. والمثبت من المجزي.