[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  محله كما هو رأي(١) البعض لزم أن تكون ذات الشمس والقمر عاماً لأنه يراهما كل مبصر، وبالجملة(٢) فإن تعلق معنى واحد بمتعدد لا يتصور في المعاني الخارجية كما بيناه، إنما يتصور في المعاني الذهنية كالمعاني الكلية، والأصوليون ينكرون وجودها.
  فالجواب أن النزاع إن كان فيما يعتبره أهل اللغة في العموم فقد نبهناك على ما هو شائع عنهم، والمنع لمثله مكابرة، على أنهم لا يعتبرون تقييد الأمر الموصوف بالعموم(٣) بالوحدة الحقيقة، بل يكتفون بمطلق الشمول لما يتصف بالوحدة العرفية تنزيلاً للموجودات المتجانسة منزلة واحد لاشتراكها في الماهية من حيث
(قوله): «والأصوليون ينكرون وجودها» لما عرفناك به في مبادي الكتاب من أنهم ينفون الوجود الذهني المسمى بالوجود الظلي وغير الأصيل، وإنما يثبتون الوجود الخارجي الذي تترتب عليه الآثار كإحراق النار ونحو ذلك.
(١) وذلك على الخلاف في إدراك الصوت هل هو بوصوله إلى الصماخ أو أنه يدركه السمع في محله بدون وصوله.
(٢) قوله: وبالجمة ... إلخ وكذا ذكر العضد، قال: واعلم أن الإطلاق اللغوي أمره سهل، إنما النزاع في أمر واحد متعلق بمتعدد، وذلك لا يتصور في الأعيان الخارجية، إنما يتصور في المعاني الذهنية، والأصوليون ينكرون وجودها. قال سعد الدين: وهذا إنما يستقيم لو أريد بالتعلق الحلول في المحل، ومرادهم أعم من ذلك كالصوت للسامعين. اهـ قال صاحب الجواهر بعد كلام: والتحقيق أن القائلين بعموم المعاني إنما يقولون بعمومها في المعاني الكلية المشتملة على المتعددات، ولا يقولون بعموم المعاني الجزئية الحقيقية الشخصية التي يمتنع صدقها على الأمور المتعددة المتكثرة؛ لأن العموم لغة هو الشمول، واللغة لا تساعدهم في المعاني الجزئية الشخصية لعدم شمولها، وإنما تساعدهم في المعاني الكلية لوجوب كونها شاملة للأمور المتعددة؛ ولهذا قال الغزالي: رجل له وجود في الأعيان ووجود في الأذهان ووجود في اللسان، أما وجوده في الأعيان فلا عموم فيه؛ إذ ليس في الوجود إلا زيد وعمرو، وقد لا يوجد رجل مطلق يشملها، وأما وجوده في اللسان فيتحقق فيه العموم؛ لأن لفظ رجل وضع للدلالة، ونسبته إلى زيد وعمرو في الدلالة واحدة، فسمي عاماً باعتبار نسبة دلالته إلى المدلولات المتكثرة. وأما الوجود الذهني فيتحقق فيه العموم أيضاً إن قيل به؛ لأن معنى الرجل يسمى كلياً من حيث إن العقل يأخذ من مشاهدة زيد حقيقة الرجل، وإذا رأى عمراً لم يأخذ منه صورة أخرى، بل عين ما أخذه من قبل، ونسبته[١] إلى زيد كنسبته إلى عمرو، فإن سمي بهذا المعنى عاماً فلا بأس. ثم قال صاحب الجواهر بعد كلام ما حاصله: أن قول العضد: والأصوليون ينكرون وجودها إن أرادا جميعهم فممنوع؛ لأن الغزالي وغيره من المحققين يقولون بوجودها، وإن أراد بعضهم فمسلم. اهـ المراد نقله.
(٣) كالمطر مثلاً، وقوله: تنزيلاً للموجودات كالقطرات مثلاً.
[١] في المطبوع: من قبل رؤيته إلى زيد. والمثبت من جواهر التحقيق.