هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثالث: العموم والخصوص]

صفحة 559 - الجزء 2

  المستفاد منها⁣(⁣١).

  (والنكرة في) سياق (النفي⁣(⁣٢)) أو ما في معناه كالاستفهام والنهي، نحو: هل من أحد عندك؟ {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ٢٤}⁣[الإنسان]، فالمختار وعليه الجمهور أنها (للعموم حقيقة) لغوية، واستعمالها في غيره على جهة المجاز.

  (وقيل) إنها للعموم (في الأمر والنهي) لا غير (والوقف في الأخبار) كالوعد والوعيد، حكاه أبو بكر الرازي عن الكرخي.

  ثم قال: وربما ظن أن ذلك مذهب أبي حنيفة؛ لأنه كان لا يقطع بوعيد أهل


= كل الدراهم لم آخذ؛ إذ مرتبة المعمول التأخر عن العامل توجه النفي إلى الشمول وأفاد ثبوت الحكم لبعض أو تعلقه به حيث كان معمولا. قال في شرح التلخيص: وهذا الحكم أكثري لا كلي؛ لقوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ٢٣}⁣[الحديد]، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ٢٧٦}⁣[البقرة]، واحترز عن ذلك في الإيجاز بقوله: غالباً. فالمؤلف # قد أشار إلى بيان حكم كل في حيز النفي بقوله: إلا أن دخول حرف السلب عليها يفيد سلب العموم المستفاد منها، ووجه الإشارة أن يحمل دخوله عليها على الدخول اللفظي بأن يتقدم عليها أو التقديري بأن يتقدم لفظ كل على العامل المنفي لتأخره عنه تقديراً. ولعل حكم كل إذا لم يكن في حيز النفي يؤخذ أيضاً من إشارته، بأن يقال: إخراجه # لحكم دخول السلب عليها من قوله: سواء كانت مثبتة أو منفية يقتضي بقاءها على عموم السلب المستفاد من قوله: أو منفية مع عدم دخول النفي عليها نحو كل ذلك لم يكن، فتأمل، والله أعلم⁣[⁣٢].

(قوله): «ولا تطع منهم آثما أو كفورا» قد قدمنا في النهي وجه إفادة هذا الآية الكريمة للعموم، فلا نعيده.

(قوله): «وربما ظن أن ذلك مذهب أبي حنيفة» أي: القول بالوقف. وأشار بقوله: ربما ظن إلى أن تجويز العفو لا يقتضي الوقف؛ لاحتمال أن يقول أبو حنيفة بثبوت الصيغ وتجويز العفو لعدم القطع بدلالتها.


(١) فهي مع كونها في حيز النفي تفيد العموم، وإنما جاء سلب العموم من أداة النفي، نحو: ما كل ما يتمنى المرء يدركه، ونحو: كل الدراهم لم آخذ بنصب كل، فقد جمع المؤلف بين ما في جمع الجوامع وغيره من أنها للعموم وبين التفصيل الذي لأهل البيان، وأشار أن لا خلاف بينهم في أنها للعموم مطلقاً، ولسيلان هنا خبط. (من خط السيد العلامة عبدالقادر بن أحمد باختصار).

(٢) والامتنان نحو: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ٤٨}⁣[الفرقان]، وكذا الشرط نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}⁣[التوبة: ٦].

(*) والمراد بالنكرة المعنوية اسماً كانت أو فعلاً نحو: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ}⁣[الحجر: ٢١]، {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ}⁣[البقرة: ٢]، {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ}⁣[البقرة: ١٩٧]. (من بعض حواشي شرح المحلي).


[٢] قال الإمام الحجّة/مجدالدين بن محمد المؤيدي # في كتابه التحف شرح الزلف ص ٤٠١/ط ٦: اعلم أن بعض أهل العربية يحكمون على أدوات العموم إذا كانت في حيِّز النفي بسلب العموم، أي توجّه النفي إلى الشمول وإثبات بعض الأفراد ويحملون نحو قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٌ ٢٣}⁣[الحديد: ٢٣]، مما انْتَقَضَتْ به القاعدة على خلاف الأغلب؛ لقيام الدليل الخارجّي، ولهم في ذلك كلام معروف، وقاعدتهم هذه فيها نزاع طويل، وقد قال سيبويه والشلوبين وابن مالك - في قول أبي النجم: كله لم أصنع -: لا فرقَ بين نصب كلّ ورفعه. وقال سيبويه: رفع كل قبيح مثله في غير الشعر، إذ النصب لا يكسر النظم، ولا يخلّ المعنى، ووجه قبح الرفع أن فيه تهيئة العامل - وهو هنا أصنع - للعمل، وقطعه عنه بالرفع، على أنه في كثير من موارده يؤخذ العموم من العلّة، لتعليق الحكم على الوصف، فلا وجه للانتقاد على الإمام الأعظم المنصور بالله عبدالله بن حمزة # في استدلاله بنحو قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}⁣[الأنعام: ١٠٣] على عموم السلب، وقد أريناك خلاف القوم، وهو مستوفى في مظانّه من البيان مع أن الآية وردت للتمدّح، فلو خَصَّتْ بعض الأحوالِ لانتقضَ التمدّح، ثم إن الإمام مَنْ لا يُشقُّ له غبار، ولا يُلْحَقُ له آثار.