[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله(١)، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال» أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه واللفظ للبخاري، ولم ينكر على عمر أحد من الصحابة، بل عدل أبو بكر إلى التعلق بالاستثناء(٢)، فدل على أنهم فهموا منه عموم وجوب القتال قبل أن يقولوا: لا إله إلا الله، وعموم العصمة بعده إلا ما أخرجه الاستثناء.
  وكاحتجاج أبي بكر بقوله ÷: «الأئمة من قريش» رواه أحمد والنسائي والطبراني(٣)،
(قوله): «عموم وجوب القتال» المستفاد من لفظ الناس.
(قوله): «وعموم العصمة» المستفاد من لفظ «من» قال السعد: وكذا فهموا عموم الجمع المضاف[١]، وهو الدماء والأموال.
(قوله): «الأئمة من قريش» إذ لولا أن الصيغة للعموم لما كان في قولك: بعض الأئمة من قريش حجة؛ فكان ينكر الاحتجاج به عادة.
(١) في حاشية: يريد عمر بذلك الاحتجاج منع أبي بكر من القتال.
(٢) وهو إلا بحقه.
(٣) قال النووي في شرح المهذب: إن الحديث المذكور في الصحيحين ولعله أراد معنى الحديث، فإن في الصحيحين من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله ÷: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان» وأما «الأئمة من قريش» فليس في الصحيحين[٢]، والحاصل أنه فهم منه العموم واحتج به على من قام بذهنه أن يجعل من غير قريش إماماً. (من رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب لابن السبكي).
[١] بالنظر إلى عبارة العضد. (ح).
[٢] قال الإمام الحجّة/مجدالدين بن محمد المؤيدي #: الخبر صحيح قد رواه الإمام الأعظم زيد بن علي عن آبائه $، ورواه في نهج البلاغة، ورواه المحدثون، وهو عمدة استدلال أبي بكر يوم السقيفة ومن معه على الأنصار، وأقَرَّهم على ذلك أمير المؤمنين # حيث قال: (احتجُّوا بالشجرة، وأضاعوا الثَّمَرة) وقد أوضحتُ ذلك في مبحث خاص في مجمع الفوائد [ص ٣٩٩/ط ٢] فليراجع.
وقال الإمام الحجّة/مجدالدين بن محمد المؤيدي # في كتابه مجمع الفوائد ص ٣٢٢/ط ٢: وَقَدْ وَافَقَهُمْ [أي: الزيدية] سَائِرُ فِرَقِ الأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مِنْ حَنَفِيَّةٍ وَشَافِعِيَّةٍ وَمَالِكِيَّةٍ وَحَنْبَلِيَّةٍ وَغَيْرِهِمْ عَلَى حَصْرِ الإِمَامَةِ فِي قُرَيْشٍ مِنْ دُونِ بَقِيَّةِ بُطُونِ العَرَبِ وَالعَجَمِ؛ لِلنَّصِّ النَّبَوِيِّ: «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ». وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا الخَوَارِجُ، وَلاَ عِبْرَةَ بِهِمْ؛ لِمُرُوقِهِمْ مِنَ الدِّيْنِ بِالنُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ. وَأَمَّا الْمُخَالِفُونَ فِي هَذِهِ الأَعْصَارِ فَهُمْ غَيْرُ مُتَقَيِّدِيْنَ بِحُدُودِ الشَّرِيْعَةِ الإِسْلامِيَّةِ، قَدْ فُتِنُوا بِتَعَالِيْمِ المِلَلِ الْكُفْرِيَّةِ، وَأَنْكَرُوا الإِمَامَةَ الشَّرْعِيَّة، وَالْخِلَافَةَ النَّبَوِيَّةَ، الَّتِي نَطَقَتْ بِهِمَا الآيَاتُ القُرْآنِيَّةُ، وَالأَخْبَارُ النَّبَوِيَّةُ، وَأَجْمَعَتْ عَلَيْهَا الأُمَّةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ، مِنْ صَدْرِ الإِسْلَامِ إِلَى هَذِهِ الأَيَّامِ، الَّتِي ظَهَرَ فِيْهَا الفَسَادُ، وَانْتَشَرَ الْكُفْرُ وَالإِلْحَاد. فَقَدْ تَقَرَّرَ شَرْعًا اشْتِرَاطُ الْمَنْصِبِ، وَإِنَّمَا الخِلَافُ فِي حَصْرِهَا عَلَى أَوْلَادِ الْحَسَنَيْنِ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ العِلَّةَ الَّتِي أَوْجَبَتِ الْحَصْرَ فِي قُرَيْشٍ إِنَّمَا هِيَ القُرْبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ÷، كَمَا فِي احْتِجَاجِ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِيْنَ عَلَى الأَنْصَارِ يَوْمَ السَّقِيْفَةِ، وَسَلَّمَتْ لَهُم الأَنْصَارُ تِلْكَ الْحُجَّة. وَقَدْ قَالَ أَمِيْرُ الْمُؤْمِنِيْنَ # لَمَّا بَلَغَهُ احْتِجَاجُ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ مَعَهُ: (احْتَجُّوا بِالْشَّجَرَةِ، وَأَضَاعُوا الثَّمَرَةَ)، وَقَالَ مُتَمِّمًا لِقَوْلِهِ ÷: «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» مَا لَفْظُهُ: (فِي هَذَا البَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ). إِلَى آخِرِهِ.