هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثالث: العموم والخصوص]

صفحة 562 - الجزء 2

  ولم ينكر عليه⁣(⁣١) أحد مع أن مقام الحجاج مظنة الإنكار.

  واعترض عليه بأن الإجماع السكوتي لا ينتهض في الأصول، وبأن ذلك إنما فهم بالقرائن، ففي مثل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} ترتب الحكم على الوصف المشعر بالعلية أو العلم بأنه تمهيد قاعدة كما رجم ماعزاً فعُلم العموم؛ لأنه شارع؛ إذ لا عموم للأفعال، أو قوله: «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» أو غير⁣(⁣٢) ذلك، وعليه فقس.

  وأجيب بأن شياعه⁣(⁣٣) وعدم إنكاره في مقامات المحاجة يقتضي عادة القطع بتحقق الإجماع.

  ولو سلم⁣(⁣٤) فالمطلوب دلالة اللفظ، وهي مما يكتفى فيه بالظن؛ ولذلك قبلت فيه أخبار الآحاد، وبأن فتح هذا الباب يؤدي إلى أن لا يثبت للفظ مفهوم ظاهر؛ لجواز أن يفهم بالقرائن، فإن الناقلين لها لم ينقلوا نص الواضع، بل أخذوا الأكثر من تتبع موارد الاستعمال.


(قوله): «إذ لا عموم للأفعال» علة لتوقف الرجم على التعليل بأنه تمهيد قاعدة ... إلخ، يعني إنما احتيج إلى التعليل بذلك لأن الفعل بمجرده لا عموم له.

(قوله): «أو غير ذلك» من تنقيح المناط، وهو إلغاء الخصوصية.

(قوله): «وعليه فقس» يعني فإنه يمكن أن يسند العموم في كل مثال علم عمومه إلى بعض هذه. قال في الحواشي: لكنه عناد؛ لأنها نقطع أن العموم في مثل لا تضرب أحداً ولا تشتم رجلا إنما يفهم من الصيغة.


(١) ولولا أن الصيغة للعموم لما كان فيه حجة في الصور الجزئية؛ لأنك إذا قلت: بعض الأئمة من قريش لم يلزم منه ألا يكون من غيرهم إمام، فكان ينكر الاحتجاج به عادة. (عضد). وسيجيء مثله في الكتاب.

(*) أقول: ومما يدل على العموم قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ ٣١ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا ...} الآية [العنكبوت]، فإن الخليل صلاة الله وسلامه عليه فهم العموم وقررت الملائكة $ ذلك، وإنما ذكرت له تخصيص لوط # من ذلك العموم الملائكة، وحكى الله ذلك في كتابه العزيز، فدل على ثبوت العموم. ومن السنة النبوية ما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي من حديث طويل واللفظ لمسلم عن أبي هريرة، يريد به الحديث الذي احتج به على العمل بالعام في أول هذا الباب. (من إفادة السيد صفي الدين أحمد بن إسحاق |).

(٢) مثل تنقيح المناط، وهو إلغاء الخصوصية. (عضد). وذلك هو القياس بنفي الفارق، مثاله: قصة الأعرابي، بنفي كونه أعرابياً فيلحق به الزنجي والهندي، وبنفي كون المحل أهلاً فيوجب الكفارة في الزنا، وبنفي كونه رمضان في تلك السنة فيلحق به الرمضانات كلها، وكذا نفي الحنفي كون الإفساد بالوقاع فيلحق به المفسد بالأكل عمداً، كذا قال الشارح في بحث القياس. (ملا ميرزاجان).

(٣) كذا شياع صح في شمس العلوم. (من خط بعض العلماء |).

(٤) بأنه لا يقتضي عادة القطع بتحقق الإجماع.