هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثالث: العموم والخصوص]

صفحة 569 - الجزء 2

  والاستثناء يخرج ما يجب اندراجه، فلزم من ذلك أن الأفراد كلها واجبة الدخول، وهو معنى العموم.


= واعلم أن تقرير المؤلف # وصاحب التلويح لكون الاستثناء دليلاً على العموم مبني على وجوب دخول المستثنى في المستثنى منه كما هو رأي جمهور النحاة، لا على رأي البعض كالمبرد من أن الاستثناء إنما يتوقف على جواز دخول المستثنى في المستثنى منه لا على وجوب دخوله فيه؛ فلذا قرر الشيخ العلامة | في شرحه دلالة الاستثناء بما لا يتوقف على وجوب دخوله، وأورد ذلك السؤال المذكور في التلويح وأجاب عنه بجواب سالم عن ذلك الإشكال المذكور، ولنورد لفظ الشيخ في هذا المقام لما اشتمل عليه من الفوائد، حيث قال ¦: والذي يدل على ذلك جواز الاستثناء من جميع الألفاظ التي ذكر أنها للعموم، وذلك معلوم بالضرورة، فإن الظاهر في المتصل أنه أخرج به ما لولاه لدخل في المستثنى منه؛ ألا ترى أنك لو قلت: جاءني أهل هذا البلد - لبلدة معهودة - إلا فلاناً مريداً به من ليس من أهلها لعد لغواً من القول إن لم تظهر نكتة لذكره يحسن لأجلها التجوز في استثنائه عنهم المبني على أنه لو لم يستثن عنهم لدخل لشدة مخالطته لهم أو نحو ذلك، وهذا القدر يكفينا في كونها مفيدة للظهور، أعني ظهور اندراج المستثنى في المستثنى منه، وهو معنى العموم، ولا حاجة بنا إلى دعوى وجوب الاندراج والقطع به حتى ينازع في ذلك بأن كثيراً من النحويين لم يشترطوا في المتصل وجوب الاندراج بل صلاحيته له، حتى جوزوا الاستثناء من الجمع المنكر واكتفى في المتصل بتجويز الدخول؛ إذ لا تنازع⁣[⁣١] في أن الظاهر دخول المستثنى في المستثنى منه، وذلك إذا قلت: جاءني رجال إلا زيداً لا يحسن استثناء زيد إلا إذا كان داخلاً في رجال؛ بأن يكون المراد برجال رجالاً مخصوصين فيهم زيد بقرينة من القرائن، وإلا كان الكلام لغواً إن لم يقصد به معنى لكن زيد لم يجي، أعني المنقطع بقرينة تدل عليه، وحينئذ لم يصح الاستثناء بحسب الظاهر من الجمع المنكر باقياً على حقيقته، أعني جماعة مطلقة؛ إذ صار كجماعة مخصوصة، فيكون مجازاً فيها، ثم قال: فإن قيل: المستثنى منه قد يكون خاصاً اسم عدد إلى آخر ما سبق عن التلويح، ثم قال: وأجيب بأن المراد استثناء ما هو من أفراد مدلول اللفظ لا ما هو من أجزائه كما في الصور⁣[⁣٢] المذكورة، ثم قال: لا يقال: المستثنى في مثل جاءني الرجال إلا زيداً ليس من الأفراد؛ لأن أفراد الجمع⁣[⁣٣] جموع لا آحاد؛ لأنا نقول: الصحيح أن الحكم في الجمع المعرف باللام الغير المحصور إنما هو على الآحاد دون الجمع⁣[⁣٤] بشهادة الاستقراء والاستعمال، ونقول: المراد أفراد مدلول ما تضمنه اللفظ، وهو هنا الرجل. قال: والأحسن في الجواب أن الاستثناء من لفظ صالح لأن يراد به جميع جزئيات مسماه أو مسمى ما اشتمل عليه ضربة بدليل عموم ذلك اللفظ. فلا يرد ما ذكروه، ولا يرد أيضاً جواز الاستثناء من المعهود نحو جاءني الرجال إلا زيداً إشارة إلى جماعة معهودين فيهم زيد، وأما الجمع المنكر عند من يقول بجواز الاستثناء منه فالاستثناء لا يدل ظاهراً على عمومه؛ لما عرفت من أن الاستثناء بحسب الظاهر ليس منه باقياً⁣[⁣٥] على حقيقته، فلم يقع الاستثناء في الظاهر إلا من خاص، على أن الاستثناء من الجمع المنكر قول غير معتمد عند الأكثرين.


[١] علة لقوله: ولا حاجة بنا ... إلخ. اهـ منه ح.

[٢] في المطبوع: الصورة. والمثبت من شرح الفصول والتلويح.

[٣] في المطبوع: الجموع. والمثبت من شرح الفصول والتلويح.

[٤] في المطبوع: المجموع. والمثبت من شرح الفصول والتلويح.

[٥] حال. (ح).