هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: في ذكر العام]

صفحة 591 - الجزء 2

  فالثاني تابع للسؤال في عمومه بالاتفاق وفي خصوصه⁣(⁣١) على المختار، أما العموم فكما روي عن النبي ÷ أنه سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: «أينقص الرطب إذا يبس؟» قالوا: نعم، قال: «فلا إذاً⁣(⁣٢)»، فإن السؤال لما كان غير مختص بأحد تبعه الجواب في العموم.

  وأما الخصوص فكما لو سأله سائل وقال: توضأت بماء البحر⁣(⁣٣) فقال له: يجزيك، فهذا وأمثاله لا يدل على التعميم في حق الغير، خلافاً للشافعي ¥؛ مصيراً منه إلى أن ترك الاستفصال⁣(⁣٤) في حكاية الحال مع قيام الاحتمال منزل منزلة العموم في المقال، وهذا كما قال فيه الغزالي تقدير عموم بالوهم المجرد؛ لأن الحكم على ذلك الشخص لعله كان لمعنى يختص به، كتخصيص أبي بردة في الأضحية بجذعة من المعز، وتخصيص خزيمة بقبول شهادته وحده، ولو قدر معنى جالب


(قوله): «توضأت بماء البحر» لعل المؤلف # اعتبر بسؤال مقدر تقديره: أيجزيني، وإلا فلا سؤال مذكور.


(١) ولعله لا يأتي في هذا كون الجواب أخص وأعم من السؤال؛ لعدم الاستقلال، بخلاف المستقل كما سيأتي.

(٢) أخرجه الترمذي وغيره. (السيد عبدالقادر).

(٣) في شرح الشيخ على الفصول: فلو قال: هل يجوز لي التوضؤ بماء البحر؟ وهي أولى مما هنا.

(٤) يعني أن الراوي لما ترك التفصيل ولم يقيد الجواب ببعض الأحوال مع احتمال كونه مقيداً، وحكى الواقعة من غير تفصيل - علم أنه فهم العموم من الشارع، وإلا لكان يجب عليه التفصيل. وقيل: إنما ذكر الشافعي ذلك فيما إذا كان الجواب مستقلاً. (شرح تحرير).

(*) عبارة الشافعي نقلها عنه البرماوي في شرح ألفيته عن إمام الحرمين عنه، وهي: ترك الاستفصال في وقائع الأحوال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال. اهـ ثم قال: ومعناها: أن الشارع ÷ إذا حكم بأمر في واقعة اطلع عليها إما بسؤال سائل أو بغير ذلك وهي تحتمل وقوعها على وجهين أو وجوه فيكون ما حكم به ÷ عاماً في كل محتملاتها وكأنه تلفظ بعمومه. ثم نقل عنه عبارة أخرى رواية عن الشافعي أيضاً بعد كلام طويل هي: وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال⁣[⁣١]. وهي تخالف العبارة السابقة في الظاهر، فإن مفهوم هذه الأخيرة أن المحتمل من الوقائع لوجهين أو وجوه مجمل لا عام؛ لتعارض الاحتمالات من غير ترجيح، وقد جمع بينهما بكلام طويل فليراجع، فتعارض الروايتان عنه، فأثبت بعضهم للشافعي في ذلك قولين، وجمع القرافي بينهما بحمل الأولى على ما إذا كان الاحتمال في محل الحكم، والثانية على ما إذا كان في دليله، ولا حاصل لهذا الجمع.


[١] وفي شرح الزركشي على الجمع: والصواب حمل الثانية على الفعل المحتمل للوقوع على وجوه مختلفة فلا يعم؛ لأنه فعل، والأولى على ما إذا أطلق اللفظ جواباً عن سؤال فإنه يعم أحوال السائل؛ لأنه قول، والعموم من عوارض الأقوال دون الأفعال. اهـ بحروفه.