هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: في ذكر العام]

صفحة 597 - الجزء 2

  بالاجتهاد، وأما نوع السبب فليس دخوله قطعياً، فيجوز إخراجه عن العموم، وقد حمل كلام أبي حنيفة على هذا؛ لأنه لم يقل بخروج وليدة زمعة بعينها، وإنما أخرج نوع الأمة المستفرشة، والحق أن أبا حنيفة يقول: إنما ثبت فراش وليدة زمعة بالدعوة، ولا تكون الأمة مستفرشة إلا بها لا بالوطء وحده، وحينئذ لم يخرج نوع السبب ولا شخصه أصلاً.

  ويؤيد هذا التأويل أنه جاء في بعض الروايات أن عبد بن زمعة قال: ولد على فراش أبي، أقر به أبي، والله أعلم.

[حكم اللفظ العام إذا قصد به المدح أو الذم]

  مسألة: اختلف⁣(⁣١) في اللفظ العام إذا قصد به المدح أو الذم كقوله تعالى: {إِنَّ


(قوله): «لم يقل بخروج وليدة زمعة بعينها» قال السعد: لا خفاء في أنه لا يتصور إخراج السبب الخاص الذي ورد فيه الحكم، وهو ولد زمعة، ولم يجوز أبو حنيفة ذلك.

(قوله): «نوع الأمة المستفرشة» يعني من عموم الولد للفراش⁣[⁣١] مع وروده في ولد الأمة على ما روي أنه كان لزمعة أمة يلم بها وكانت له عليها ضريبة، وقد كان أصابها عتبة بن أبي وقاص فظهر بها حمل، وهلك عتبة كافراً، فعهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك، فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال: إن أخي كان عهد إلي فيه، فقام عبد بن زمعة فقال: إنه أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال عليه الصلاة والسلام: «هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر». وقوله: ابن وليدة أبي يعني ابن أمته، فإن الوليدة هي الأمة، وعبد هو المذكور في كتب الحديث، وعبدالله سهو، هكذا ذكره السعد في حواشي شرح المختصر.


(١) ليست هذه المسألة مقصورة على ما سيق للمدح أو للذم فقط، بل ذلك خارج مخرج المثال، وإنما الضابط أن كل عام سيق لغرض أيبقى على عمومه أو يكون ذلك الغرض صارفاً له عن العموم؟ فيقال: على هذا قوله ÷: «فيما سقت السماء أو كان عثرياً العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر» مسوق لبيان مقدار الواجب، فلا يكون عاماً في الخضراوات، نحو: القثاء والرمان. ومن يقول بالعموم يقول: إنه خص بنحو ما رواه الحاكم: «فأما القثاء والرمان والقضب فعفو عفا عنه رسول الله ÷» أو إن هذا الحديث عام قدم على حديث: «فيما سقت السماء» لكونه مسوقاً لبيان المقدار. (من شرح ألفية البرماوي). قوله: «أو كان عثرياً» هو من النخيل الذي يشرب بعروقه من ماء المطر يجتمع في حفيرة، وقيل: هو العذي، وقيل: هو ما يسقى سيحاً، والأول أشهر. (نهاية).


[١] وفي تخريج البحر لابن بهران ما معناه: أن رسول الله ÷ لما رأى فيه شبها بعتبة أمر سودة بنت زمعة زوجة النبي ÷ إن تحتجب من عبدالرحمن بن زمعة لمكان الشبه بعتبة، فلم يرها حتى لقي الله. اهـ قالت العلماء: وفي أمره ÷ لسودة بالحجاب دليل على أنه ينبغي للمؤمن الاحتياط والتقشف ليحصل القطع بالخروج عن عهدة المحذور، والله أعلم.