هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثالث: العموم والخصوص]

صفحة 603 - الجزء 2

  ولا يخفى عليك أن الكل والبعض قيد للنفي نفسه لا للمنفي؛ إذ لو كان للمنفي لتوجه النفي إليه ولزم انعكاس الحكم.

  وإن أردت زيادة استيضاح لما ذكرناه فتأمل في الفرق بين قول القائل: حصل نفي للاستواء مطلق وحصل نفي للاستواء شامل لجميع وجوهه أو خاص ببعضها، وبين قوله: حصل نفي لاستواء مطلق وحصل نفي لاستواء شامل أو خاص، تعلم أن النفي المطلق لا يشعر بالمقيد بقيد مخصوص، بخلاف نفي المطلق.

  ولما لم يتنبه الشارحون لمنهاج البيضاوي ضعفوا هذا الدليل وجزموا بأن قوله:


(قوله): «ولا يخفى عليك أن الكل والبعض ... إلخ» يعني فيتم الاحتياج بذلك للحنفية ومن معهم؛ لأنهما إذا كانا قيدين للنفي فثبوت الأعم وهو مطلق النفي لا يستلزم ثبوت الأخص وهو النفي المقيد، فلا يثبت العموم في نحو: {لَا يَسْتَوِي ...} الآية.

(قوله): «قيد للنفي نفسه لا للمنفي» لكن هذا لا يناسب قول المؤلف #[⁣١] يحتمل نفي الكل ويحتمل نفي البعض⁣[⁣٢]؛ فإن الكل قيد للمنفي⁣[⁣٣]؛ ولهذا بين الكل بقوله: من وجوه الاستواء، وبين البعض بقوله: منها، أي: من وجوه الاستواء.

(قوله): «إذ لو كان» أي: كل فرد من الكلية والبعضية؛ ولهذا صح إفراد الضمير.

(قوله): «للمنفي» أي: قيد للمنفي.

(قوله): «ولزم انعكاس الحكم» أي أن نفي الأعم وهو الاستواء⁣[⁣٤] المطلق يستلزم نفي الأخص، وهو الاستواء في كل شيء.

(قوله): «حصل نفي للاستواء مطلق ... إلخ» فالإطلاق والشمول والخصوص صفة للنفي، وقوله: حصل نفي لاستواء مطلق فالإطلاق وما بعده صفة للاستواء.

(قوله): «أن النفي المطلق لا يشعر بالمقيد» إذ ثبوت الأعم لا يستلزم ثبوت الأخص.

(قوله): «بخلاف نفي المطلق» إذ نفي الأعم يستلزم نفي الأخص.

(قوله): «ولما لم ينتبه الشارحون ... إلخ» أي: لم ينتبهوا لمراد صاحب المنهاج من أنه أراد أن ثبوت الأعم لا يستلزم ثبوت الأخص بل حملوا قوله: إن الأعم لا يستلزم الأخص على إرادة أن نفي الأعم لا يستلزم نفي الأخص، فغلطوه بناء منهم أن البيضاوي استعمل المعنى الأول في الثاني، وهذا هو المراد بقول المؤلف #: منشؤه أي منشأ غلط البيضاوي استعمال قاعدة الإثبات في النفي، وهو أي البيضاوي أجل من أن يخفى عليه ... إلخ؛ إذ فرق بين ثبوت الأعم ونفي الأعم. واعلم أن ابن الحاجب وشراح كلامه قد بنوا استدلال الحنفية على ما فهمه شارحو المنهاج، فإنهم ذكروا أن الحنفية استدلوا بأن المساواة مطلقاً - أي: في الجملة - أعم من المساوة بوجه خاص، وهو المساواة من كل وجه، فلا تدل عليه؛ لأن الأعم لا إشعار له بالأخص بوجه من الوجوه، فلا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم، ثم أجابوا بأن ما ذكرته الحنفية من عدم إشعار الأعم بالأخص إنما هو في طرف الإثبات، لا في طرف النفي؛ فإن نفي الأعم مستلزم نفي الأخص، إلى آخر ما ذكروه.


[١] يقال: لا تدافع بين كلامي المؤلف، وقول المحشي: ولهذا بين الكل بقوله ... إلخ يلزم منه اتحاد القيد والمقيد فتأمل. (ح عن خط شيخه).

[٢] هذا وهم عند التأمل. (حسن).

[٣] ليس قيداً للمنفي في عبارة المصنف، بل هو نفس المنفي فتأمل، وإنما يتم كلام المحشي لو كان قيداً للمنفي. (ح عن خط شيخه).

[٤] تفسير الانعكاس بهذا غير مناسب.