[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  «لأن الأعم لا يستلزم الأخص» غلط منشؤه استعمال قاعدة الإثبات(١) في النفي، وهو أجل من أن يخفى(٢) عليه ما هو أدق من هذا.
  (قيل) في الاحتجاج للشافعي ومن وافقه: (نفي دخل على(٣)) فعل (متضمن
(١) لأن قاعدة الإثبات أن ثبوت الأعم لا يلزم منه ثبوت الأخص كالحيوان والإنسان، فتوهموا أنه استعمل هذه القاعدة في النفي، وأنه أراد أن نفي الأعم لا يلزم منه نفي الأخص، وهو إنما أراد النفي الأعم الذي هو المطلق لا يلزم منه النفي الأخص الذي هو المقيد بالكل والبعض فافهم. (من خط السيد العلامة صلاح بن حسين الأخفش ¦).
(٢) اعلم أنك تفتقر في تحقيق المقام والاطلاع على خفيات أسرار الكلام إلى مقدمتين: إحداهما: أن اللفظ متى أشعر بالأخص أشعر بالأعم، ولا عكس، والأخرى: أن نقيض الأعم أخص من نقيض الأخص. إذا عرفت ذلك فالاستواء المطلق أعم من الاستواء المقيد بكل وجه وبالبعض المعين، فلا يلزم من إشعار اللفظ به الإشعار بخصوصية أحدهما، ونقيضه أخص من نقيض كل منهما، فإذا أشعر اللفظ به أشعر بكل من النقيضين. وحينئذ فالاستدلالُ على نفي عموم الآية بأن الاستواء المنفي مطلق، وهو أعم من المقيد بالكل، والأعم لا يشعر بالأخص - غلطٌ منشؤه استعمال قاعدة الإثبات في النفي، والجهل بأن ذلك خاص بالإثبات، وأما النفي فلا؛ لأن اللفظ حينئذ يشعر بنقيض الأعم، فيشعر بنقيض الأخص لما عرفت، والاستدلالُ على ذلك بأن النفي المتعلق بالاستواء مطلق، وهو أعم من الشامل، والأعم لا يشعر بالأخص - بريءٌ عن هذا الغلط، وهو المنسوب إلى القاضي البيضاوي الصحيح عنه. والقول بأن قوله: «لأن الأعم لا يستلزم الأخص» غلط منشؤه استعمال قاعدة الإثبات في النفي غلط منشؤه عدم تدبر كلامه، هذا توضيح كلام المؤلف، وقد اختار مذهب البيضاوي وارتضاه لقوة دليله عنده. ولا يخفى على كل ذي إنصاف وذوق سليم أن ما ذكره المؤلف والقاضي كلام ظاهري، وإذا تحققته رأيته قد بعد عن ساحة التحقيق كثيراً، وانتهى إلى الدرك الأسفل فلن تجد له نصيراً؛ فإنا لا ننكر أن النفي المطلق لا يشعر بالمقيد، لكنا نمنع أن نفي الاستواء في الآية مطلق، وسنده أنه لا يخلو إما أن يكون الاستواء المنفي قبل دخول النفي عام لكل وجه أو خاص ببعض معين أو مطلق، والأولان لا دليل عليهما ولا يدعيهما أحد، فتعين الثالث، وحينئذ فهو أعم من كل منهما، فعند نفيه أشعر اللفظ بنقيضه، وهو أخص من نقيض كل منهما، فيشعر بكل من نقيضهما. وعلى الجملة فالاستواء المطلق موجود بوجود كل فرد من أفراده، فينتفي بانتفائه كل فرد، وهو معنى العموم، فظهر أن الحق الحقيق بالقبول ما ذهب إليه الإمام الشافعي والشيخ ابن الحاجب، ولا يتخلف عنه إلا قاصر عن معرفة الحق أو مشاغب، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب. (من خط السيد حسين بن الحسن الأخفش |). وهو غاية في التحقيق لمن تأمله.
(٣) عبارة العضد: قيل: إنه نكرة في سياق النفي؛ لأن الجملة نكرة باتفاق النحاة؛ ولذا توصف بها النكرة دون المعرفة. اهـ أي: الكل متفقون على أنها نكرة سواء كان اتصافها بها باعتبار نفس الجملة على ما =