هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: في ذكر العام]

صفحة 620 - الجزء 2

  عبيده بخطاب يخصه أمراً للباقين، وكذا في النهي وسائر أقسام الخطاب، كيف ومن المحتمل أن يكون الأمر الواحد المعين مصلحة في حق المخصوص بالخطاب ومفسدة في حق غيره كما في أوامر الطبيب للمرضى؟ ولهذا خص النبي ÷ بأحكام من الواجبات والمحظورات والمباحات لم يشاركه فيها غيره، ومع امتناع الاتحاد في الخطاب وجواز اختلاف الحكمة في المقصود يمتنع التشريك في الحكم إلا أن يقوم دليل من خارج عليه، وحينئذ يكون مستنداً إلى ذلك الدليل لا إلى الخطاب الخاص بمحل التنصيص.

  (وفهم دخول الأتباع من مثل: «اركب لمناجزة العدو» لمن يقتدى به بقرينة توقف الغرض على المشاركة) إشارة إلى شبهة المخالف وجوابها.

  وتقريرها أن يقال: نحن ما ندعي أن خطاب المفرد مطلقاً يتناول الغير، بل المدعى أن خطاب من هو مقدم على قوم وقد عقدت له الولاية والإمارة عليهم يتناول الغير، وهو أتباعه، فإذا قيل لمن له منصب الاقتداء: «اركب لمناجزة العدو⁣(⁣١) أو لفتح البلدة الفلانية» فهم منه أن الأمر له ولأتباعه معه، وكذلك يقال:


(قوله): «في المقصود» من شرع الحكم.


= والتحقيق أن خطاب الرسول ÷ من حيث إنه خطاب الرسول لا يستلزم التناول للأمة ولا عدم تناولها بخصوصها؛ لأن خطاب الرسول تارة يتحقق مع التناول كما في الأحكام المشتركة بينه عليه الصلاة والسلام وبين أمته، وتارة يتحقق لا مع تناوله للأمة كما هو الواقع في خصائصه عليه الصلاة والسلام، وإذا كان كذلك لم يكن خطاب الرسول من حيث هو خطاب الرسول مستلزماً للتناول بخصوصه، وإلا لامتنع تحققه مع عدم التناول؛ لاستحالة اجتماع عين الملزوم مع نقيض اللازم، وكذا لم يكن مستلزماً لعدم التناول بخصوصه، وإلا لامتنع اجتماعه مع التناول، فعلم أن التناول أو عدم التناول بخصوصهما لا يفهم من نفس الخطاب، وإنما يفهم أحدهما بخصوصه بقرينة خارجة من نفس الخطاب، سواء كانت تلك القرينة الخارجية عرفية أو غير عرفية من قياس أو دليل منفصل أو غير ذلك. وإلى هذا أشار المصنف بقوله: «وليس بعام إلا بدليل من قياس أو غيره»، فالقرينة العرفية داخلة تحت الغير. (جواهر التحقيق).

(١) بالجيم والزاي المعجمة: المحاربة، وبالحاء والراء المهملتين: المقاتلة. (شرح تحرير).