هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثالث: العموم والخصوص]

صفحة 640 - الجزء 2

  وفي كلام والدنا المنصور بالله قدس الله روحه ما يدل على أنه يختار هذا القول⁣(⁣١)؛ وذلك لوجهين:

  الأول قوله: (وإلا لم يكن مرسلاً إليهم) يعني لو لم يكن النبي ÷ مخاطِباً لمن بعد الحاضرين أو الموجودين لم يكن مرسلاً إليهم⁣(⁣٢)، واللازم باطل، فالمقدم مثله.

  أما الملازمة فلأنه لا معنى لإرساله إلا أن يقال له: بلغهم أحكامي، ولا تبليغ إلا بهذه العمومات، وهي لا تتناولهم⁣(⁣٣). وأما بطلان اللازم فبالإجماع.

  (وأجيب بمنع الأولى) وهي الشرطية، يعني: لا يلزم من عدم الخطاب عدم الإرسال، وما ذكر⁣(⁣٤) في بيان الملازمة لا يصح؛ لأن التبليغ لا ينحصر في خطاب الشفاه، بل يحصل للبعض شفاهاً وللبعض بنصب الدلائل والأمارات على أن حكمهم حكم المشافهين.

  (قالوا) في الوجه الثاني: (ثبت الاحتجاج به) أي: بما ورد على لسان النبي ÷ مما وضع لخطاب المشافهة من الصحابة على من بعدهم وممن بعدهم من التابعين وتابعيهم إلى زماننا هذا، ولولا عموم ذلك الخطاب لمن وجد بعده لما كان ذلك الاحتجاج إلا خطأ، وهو بعيد عن أهل الإجماع، فالاحتجاج به دليل التعميم.

  (وأجيب) بأن ذلك لا يتعين⁣(⁣٥) أن يكون لتناوله لهم، بل قد يكون لأنهم علموا أن


(١) بل صرح به في الأساس.

(٢) فإن قيل: هذه الخطابات إنما هي من الله تعالى، وإنما الرسول ÷ مبلغ. قلنا: هذا التقرير ناظر إلى أن الرسول ÷ هو الذي يوجه الكلام نحو المخاطبين، فهو المخاطب لهم، وإن جعلنا المخاطب هو الله تعالى فالتقرير أنه لو لم يكن مخاطباً لمن بعد الرسول لم يكن الرسول مرسلاً إليهم؛ لأن معنى إرساله إليهم أن يقال له: بلغهم ما خاطبتهم به. (سعد).

(٣) عبارة شرح الفصول: وقد قلتم: إنها لا تتناولهم.

(٤) في المطبوع: وما ذكروه.

(٥) قيل على الجوابين: إن الأدلة الأخر أيضاً من الخطابات أو مما ثبتت حجيته بها من الإجماع والقياس فلا يتناول المعدومين. قلنا: بإجماع أو تنصيص على ثبوت الحكم أو حجية الأدلة في حق المعدومين أيضاً، نحو: «الجهاد ماض إلى يوم القيامة» مثلاً. (فصول بدائع).