[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  (و) أجيب بأنه (لا) يلزم منه (إبطال النصوص؛ للزوم الاتصال) من المستثنى بالمستثنى منه، وإنما يبطله لو كان مجوَّزاً وإن لم يُسمع، كما أن تجويز تخصيص ألفاظ العموم بالمنفصل مبطلٌ لنصوصيتها، وحينئذ لا نسلم أن إمكان الاستثناء يبطل النصوصية كما أن الصفة في قولك: «هذه عشرة مستثنى أو مخرج منها واحد» لا يبطل النصوصية، على أن ما ذكر من كون الملاحظ المعاني الوضعية قبل قيام القرينة، وما ذكره السكاكي من أن دخول الواحد في حكم العشرة من قِبَل السامع لتناول العشرة الواحد بحسب الوضع - كاف في إبطال هذا الوجه.
  احتج (الثاني(١)) بأنه قد ثبت أن (دخول المستثنى) في المستثنى منه (تناقض)
(قوله): «لو كان مجوزاً» أي: لو كان الاستثناء مجوزاً «وإن لم يسمع» أي: الاستثناء، بأن يجوز مثلاً في قول القائل: علي له عشرة استثناء مقدراً.
(قوله): «مبطل لنصوصيتها» لتجويز تخصيص العام بها.
(قوله): «لا نسلم أن إمكان الاستثناء» يعني الإمكان المذكور في قول المعترض: إذ ما من لفظ متعدد المعنى إلا والاستثناء لبعض مدلوله ممكن سماعه بما عرفت من أنه لا يصح تقديره.
(قوله): «كما أن الصفة في قولك: هذه عشرة مستثنى أو مخرج منها واحد لا يبطل النصوصية» هذا من التخصيص بالصفة، فإذا لم تبطل النصوصية كان مؤيداً لقول من ذهب إلى أن العام المخصص بما لا يستقل حقيقة كما اختاره الرازي والكرخي وأكثر أصحاب أبي حنيفة، فينظر في الفرق، والله أعلم.
(قوله): «على أن ما ذكر» خبره قوله: كاف ... إلخ.
(قوله): «كاف» يعني من غير احتياج في الجواب إلى ملاحظة لزوم الاتصال؛ فإن اللفظ قبل قيام القرينة باق على نصوصيته بالنظر إلى وضع اللفظ وفهم السامع.
(١) في شرح ابن جحاف: احتج الثاني بأنه يلزم من القول الثالث التناقض؛ لأنه إذا حصل حكم بدخول المستثنى في المستثنى منه أولاً وإخراجه ثانياً حصل التناقض، ومن الأول مخالفة ما أجمعوا عليه من أن الاستثناء إخراج بعض من كل، وإذا بطل القولان تعين الثالث؛ إذ لا مخرج عنه. والجواب: أن اللزومين ممنوعان، فلا يلزم على الثالث التناقض؛ لأن الدخول والإخراج قبل الإسناد، ولا على الأول مخالفة الإجماع؛ لأنه إخراج بالنظر إلى ظاهر اللفظ كما مر. وقد اعترض عليه بوجوه، أحدها: خروجه عن قانون اللغة العربية؛ إذ ليس في لغتهم لفظ مركب من ثلاث كلمات جعل اسماً واحداً لمسمى واحد على طريق حضرموت وبعلبك بحيث يجري الإعراب على جزئه الأخير والجزء الأول معرب؛ لأن عشرة في قوله: «عندي عشرة إلا ثلاثة» يختلف إعرابها باختلاف العوامل، وهي الجزء من الثلاثة المجعولة اسماً واحداً، فهذا مما أجمعوا على أنه خارج عن قانون اللغة العربية؛ =