[فصل: في الطرق التي يعرف بها تخصيص العام]
  أما الملازمة فللقطع بأن تجويز الاستثناء يقضي بعدم الجزم بثبوتها واستقرارها، وأما بطلان اللازم فلما فيه من التلعب وإبطال التصرفات الشرعية(١)، وهو اتفاق.
  والثاني قوله: (ولاتفاق أهل اللغة(٢)) يعني أن المعلوم من أهل اللغة العربية أنهم يشترطون الاتصال ولا يسوغون الانفصال، وأنهم لا يعدون قول من قال: «علي عشرة» وقال بعد شهر: «إلا ثلاثة» منتظماً، بل يحكمون بأنه لغو.
  (و) روي(٣) (عن ابن عباس خلافه(٤)) وهو القول بصحة الاستثناء وإن
(قوله): «ولاتفاق أهل اللغة» هذا مبني على أن ما نقل عن ابن عباس ® وغيره متأول كما سيشير إليه المؤلف #.
(١) يقال عليه: هذا إنما يتمشى على القول بجواز انفصال الاستثناء مطلقاً، وأما على من قيده بشهر أو بالمجلس أو بمقدار حلب ناقة غزيرة فلا؛ إذ لا تلعب ولا إبطال للتصرفات؛ لاستقرار العقد والإيقاع بعد انقضاء الشهر ونحوه، والله أعلم. (من أنظار العلامة الحبشي). قلت: أقل حالة أن يكون بالخيار، فإنه لا يستقر الملك إلا بعد إمضاء البيع وانقضاء مدة الخيار أو بطلانه - أي: الخيار - بعد الرؤية المميزة مثلاً أو الرضا بالمعيب.
(٢) وسيأتي من المؤلف الإشارة إلى أن ما نقل عن الأئمة كابن عباس وغيره من أئمة اللغة يتأول بتأويلات مذكورة في بسائط الفن فلا يقدح في دعوى الاتفاق، وكان القياس من المؤلف التعرض لذلك هنا، والله أعلم.
(٣) ومن لطائف ما يحكى أن الرشيد استدعى أبا يوسف القاضي فقال له: كيف يذهب ابن عباس في الاستثناء؟ فقال: يلحق عنده بالخطاب ويغير حكمه ولو بعد زمان، فقال: عزمت عليك أن تفتي به ولا تخالفه، وكان أبو يوسف لطيفاً فيما يورده متأنياً فيما يقوله، فقال: رأي ابن عباس يفسد عليك بيعتك؛ لأن من حلف لك وبايعك يرجع إلى منزله فيستثني، فانتبه الرشيد وقال: إياك أن تعرف مذهبه الناس في ذلك واكتمه. (من بعض حواشي شرح المحلي).
(٤) قال العلامة ابن القيم في شرحه لمنازل السائرين عند قول صاحب المنازل: قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}[الكهف: ٢٤]، يعني إذا نسيت غيره ونسيت نفسك في ذكر الحق إياك، انتهى - ما لفظه: ليته لم يقل، فوالله ما عنى الله هذا المعنى ولا هو مراد الآية ولا تفسيرها عند أحد من السلف والخلف، وتفسير الآية عند جماعة من السلف أنك لا تقل لشيء: أفعل كذا أفعل كذا حتى تقول: إن شاء الله، فإذا نسيت أن تقولها فقلها متى ذكرتها، وهذا هو الاستثناء المتراخي الذي جوزه ابن عباس وتأول عليه الآية، وهو الصواب، فغلط عليه من لم يفهم كلامه ونقل عنه أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً أو قال: نسائي الأربع طوالق ثم بعد سنة يقول: إلا واحدة أو إلا زينب أن هذا الاستثناء ينفعه، وقد صان الله عن هذا من دون غلمان ابن عباس بكثير فضلاً عن البحر حبر الأمة =