[تعريف العلم]
  وهو رأي محققي الحكماء.
  ووجه بناء الحد على رأيهم كون إطلاق لفظ العلم على هذا المعنى الأعم واقعاً على اصطلاحهم. وفيه مع ذلك أن العقل إن أريد به المشهور من اصطلاحهم - وهو أنه جوهر مجرد(١) غير متعلق بالبدن - خرج علم الله
(قوله): «وهو رأي محققي الحكماء» هو رأي جمهورهم، وعند بعض الحكماء[١] أن المدرك للجزئيات المادية هو النفس الناطقة، ولكن إدراكها للكليات بذاتها، وللجزئيات بواسطة الآلة الجسمانية.
(قوله): «واقعاً على اصطلاحهم» أي: اصطلاح الحكماء، إشارة إلى أن إطلاق العلم على المعنى الأعم مخالف لاصطلاح اللغة والعرف والشرع كما حققناه فيما سبق.
(قوله): «وفيه» أي: في تعريف العلم بما ذكره المؤلف.
(قوله): «مع ذلك» أي: مع البناء على رأيهم المخالف للمشهور.
(قوله): «أن العقل ... إلخ» وفيه: أن مع ذلك اعتراضاً آخر، وهو أن العقل ... إلخ.
(قوله): «وهو أنه جوهر مجرد غير متعلق بالبدن» هذا مبني على ما عليه الحكماء وبعض المسلمين كالغزالي والراغب وجمع من الصوفية من إثبات الجواهر المجردة، وتحقيق ذلك على ما ذكره بعض المحققين من أهل الحواشي وغيره أن الحادث إما متحيز بالذات وهو الجوهر، أو حال في المتحيز وهو العرض، أو لا متحيز ولا حال فيه وهو المسمى عندهم بالجوهر المجرد، فإن كان متعلقاً بالجسم تعلق التدبير والتصرف والتحريك فنفس، وإلا فعقل.
قال الشريف: وإنما قيدوا التعلق بالتدبير والتحريك لأن للعقل عندهم تعلقاً بالجسم على سبيل التأثير. وخالفهم الجمهور، فلم يثبتوا الجواهر المجردة عقولاً كانت أو نفوساً، قالوا: وما احتج به الحكماء على تجردها من أنها تعلق بالبسيط، ومحل البسيط لو كان جسماً أو جسمانياً لكان منقسماً، وانقسام المحل يوجب انقسام الحال فيه.
وأنه ينافي البساطة - مدفوعٌ بأنه مبني على أن النفس محل المعقول، وهو الصورة الحاصلة في القوة العاقلة، وهو ممنوع بأن العلم مجرد تعلق بين العالم والمعلوم يمتاز به المعلوم عند العالم، وذلك التعلق أمر اعتباري اتصف به العالم، لا أمر موجود حال فيه. وإن سلم ذلك فلا نسلم أن الحال في المنقسم منقسم، فإن ذلك إذا كان الحلول سريانياً، وهو فيما نحن بصدده غير مسلم. واختلف جمهور المتكلمين القائلين بعدم تجرد النفس الناطقة في تحقيق النفس الناطقة التي يشير إليها كل أحد بقوله: «أنا» على مذاهب، منها أنها أجزاء لطيفة سارية في البدن سريان ماء الورد في الورد. ومنها: أنها الهيكل المخصوص. وغير ذلك من الأقوال المذكورة في مواضعها كشرح المحقق النجري وشرح المواقف، والله أعلم.
(قوله): «خرج علم الله» لأن العقل لا يطلق على الباري تعالى، فلا يكون علمه داخلاً في التعريف، وذلك ينافي عموم قواعد الفن. وقد أجاب الشريف في حواشي شرح المطالع بأن خروج علم الله من الحد لا يضر؛ لأن المبحوث عنه هو العلم الكاسب والمكتسب، وعلمه تعالى منزه عن ذلك، فلا بأس بخروجه. قال: وتعميم القواعد إنما هو بحسب الحاجة.
(١) يعني ليس بجسم ولا جسماني.
[١] إذا تأملت ما تقدم عرفت أن مذهب أهل الحق أن المدرك لجميع أصناف الإدراكات هو النفس، وبعض الحكماء أن العقل لا يدرك إلا الكليات والجزئيات المجردة، ولا يدرك سوى ذلك، وعند بعضهم أن المدرك للجزئيات المادية هو النفس، ولكن إدراكها ... إلخ، فهو كالإطلاقين والتفصيل ... إلخ، تأمل.