[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  محل للصوم(١)، ومعطي الجزية خارج عن الأمر بقتله.
  وأما قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}[المائدة: ٦]، فوجوب غسل المرافق والكعبين إنما هو لفعل النبي ÷، فإن إفادة الغاية لقصر الحكم على ما قبلها من جهة الظاهر كما ذكره أبو الحسين وغيره، فجاز أن يدل الدليل على خلاف الظاهر(٢)، أو لأن إلى ليست هنا للغاية وإنما هي بمعنى مع كما قال بعض المفسرين: إنها كذلك في قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}[النساء: ٢]، ويكون فعله ÷ قرينة دالة على إرادة هذا المعنى، أو لأنه لا يتم الواجب إلا به فيكون واجباً بالتبعية لا بالأصالة، كما أن غسل جزء من الرأس يجب تبعاً لوجوب غسل الوجه.
  وفي هذه المسألة أقوال: أحدها: أن ما بعد الصيغة لا يدخل فيما قبلها، وهذا مذهب الجمهور وإن اختلفوا، فالأكثر على أنه محكوم على ما بعدها بنقيض حكم ما بقلها.
  والأقل على أنه مسكوت عنه مُبَقَّى على حكم الأصل، وسيجيء تحقيق هذا الخلاف إن شاء الله تعالى.
  ثانيها: أنه داخل مطلقاً.
(قوله): «وفي هذه المسألة أقوال» أي: أقوال ستة.
(قوله): «وسيجيء» أي: في باب المفهوم لم يصرح بخصوص هذا الخلاف في باب المفهوم.
(١) يقال: العموم في لفظ الصيام؛ لأن المراد به في خطاب الشارع هنا الإمساك عما أباحه في الليل في قوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}، فإنه لما أباحهما أفاد عموم الوقت المستفاد من فعل الأمر، فغياه بقوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}[البقرة: ١٨٧]، ففهموا منه الإباحة إلى ذلك الوقت، ثم قال: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ} أي: أمسكوا عما أبيح في الليل، فقيد الغاية يتناول الوقت المستقبل المدلول لفعل الأمر، فالعموم فيه، فغياه بقوله: {إِلَى اللَّيْلِ}، فخرج أول جزء في الليل وغيره، فعلم بعد ذلك أن الصوم من الفجر إلى الغروب شرعاً. وأما أصل الخطاب فإنما هو بما يفهمونه لغة، وصار حقيقة شرعية في الإمساك من الفجر إلى الغروب عن المفطرات الشرعية، فتأمل ففيه دقة. (من خط بعض العلماء).
(٢) يلزم من هذا ترجيح الفعل[١] على القول.
[١] الفعل إنما هو قرينة فقط، يقال: لا يلزم ما ذكر؛ لأن الدال القول وهو لفظ إلى بمعونة القرينة، وهي فعله ÷، فيكون من صرف الراجح وهو الغاية إلى المرجوح وهي المعية لدليل كما نبه عليه المؤلف عادت بركاته. اهـ الظاهر أن يقال: وهو عدم إفادة الغاية لقصر الحكم على ما قبلها، وأما المعية فهي معنى آخر ذكره المؤلف بقوله: أو لأن إلى ليست ... إلخ فيتدبر، والله أعلم.