[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  بخلاف عدم تسليط العام المتأخر، فظهر الفرق.
  وعن الثالث بالفرق بأن العام ظاهر والمفصل نص، ولهذا لو كان قوله: لا تقتلوا زيداً المشرك مقارناً لقوله: اقتلوا المشركين لخصه، ولو قارن المفصل لناقضه.
  واعلم أنه حيث ما يكون المتأخر ناسخاً للمتقدم يجب أن لا يؤخذ بالمتأخر على الإطلاق، وإنما يؤخذ به حيث لا يؤدي إلى نسخ المتواتر بالآحاد(١) كما يجيء إن شاء الله تعالى.
  وأما على الثاني(٢) وهو أن يكون كل من المتعارضين أعم من وجه(٣) وأخص من وجه فليس تخصيص عموم(٤) أحدهما لعموم الآخر بأولى من العكس،
= وقد وجد تصحيح هذا اللفظ إلى لفظ آخر، وهو الخاص المتقدم على العام المتأخر، وهذا التصحيح لا وجه له؛ لأن هذا جواب عن قولهم في الوجه الثاني: كما لو كان المتأخر خاصاً، يعني فإنه ينسخ مقابلة من العام المتقدم، فيكون حاصل الجواب أن الخاص المتأخر بوقت يمكن فيه العمل لو لم يسلط على العام المتقدم بأن ينسخ مقابله منه لزم إلغاء الخاص المتأخر بالكلية؛ لأنا قد عملنا بالعام وتركنا الخاص، بخلاف عدم تسليط العام المتأخر عن الخاص حيث لم نقل بنسخ العام بل قلنا بتخصيص الخاص للعام المتأخر فإنه لا يبطل العام بالكلية؛ لبقائه معمولا به فيما عدا الخاص، ولا الخاص؛ لأنا قد عملنا به، وذلك ظاهر، فالموجود في النسخ صحيح، والله أعلم.
(١) فإن كانا قياسين جميعاً فقد تقدم للمؤلف في بحث السنة في آخر بحث أفعاله ÷ أن العمومين لا يتعارضان، بل لا بد من تراخي أحدهما، فينظر إن شاء الله تعالى.
(٢) عطف على قوله: وعلى الأول، في صدر المسألة.
(٣) قال في الورقات ما لفظه: وإن كان كل واحد من الدليلين عاماً من وجه وخاصاً من وجه فيخص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر. قال الشارح: إن أمكن ذلك، وإلا فيطلب الترجيح فيما تعارضا فيه، مثال ما يمكن فيه ذلك حديث أبي داود وغيره: «إذا بلغ الماء قلتين فإنه لا ينجس» مع حديث ابن ماجة وغيره: «الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه» فالأول خاص بالقلتين عام في المتغير وغيره، والثاني خاص في المتغير عام في القلتين وما دونهما، فيخص عموم الأول بخصوص الثاني ويصير تقديره إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس إلا بالتغير، ويخص عموم الثاني بخصوص الأول، وهو كونه قلتين، فيحكم بأن ما دون القلتين ينجس وإن لم يتغير، وتقديره طهور لا ينسجه إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه إذا كان قلتين. ومثال ما لا يمكن حديث: «من بدل دينه فاقتلوه» رواه البخاري، والنهي عن قتل النساء متفق عليه، فالأول عام في الرجال والنساء خاص بأهل الردة، والثاني خاص بالنساء عام في الحربيات والمرتدات، فتعارضا في المرتدات هل تقتل أم لا.
(٤) في المطبوع: فليس تخصيص أحدهما.