هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[تعريف العلم]

صفحة 153 - الجزء 1

  ولما كان الضروري والنظري تتوقف معرفتهما على معرفة النظر - لأخذه في تعريفيهما المذكورين عقيبهما على طريقة الوصف عَرَّفه فقال: (والنظر: الفكر المطلوب به علم أو ظن) وهذا تعريف الأصوليين.

  الفكر: جنس شامل للنظر وغيره؛ لأنه انتقال النفس في المعاني انتقالاً بالقصد، وذلك قد يكون لطلب علم أو ظن فيسمى نظراً، وقد لا يكون كذلك


(قوله): «المذكورين عقيبهما» أي: عقيب الضروري والنظري، وقوله: «على طريقة الوصف» حيث قال: ضروري لا يحتاج ... إلخ، ونظري يحتاج ... إلخ، ولو ذكرا غير وصفين لقيل: الضروري هو الذي لا يحتاج ... إلخ، والنظري هو الذي يحتاج ... إلخ، لكن المؤلف إنما ذكر هذين الوصفين في الشرح لا في المتن، فليس النظر بمأخوذ في تعريفهما في المتن، فلو قال: ولما كان النظري منسوب إلى النظر لتوقفه عليه⁣[⁣١] عرفه فقال ... إلخ لكان أحسن.

(قوله): «والنظر الفكر» هذا الحد للقاضي الباقلاني، فزعم الآمدي أن قوله: الفكر ليس جزءاً من التعريف، بل إنما ذكر لبيان اتحاد مدلولهما، وما بعده هو الحد، وضعف بأن المتبادر من هذه العبارة أن الفكر جزء من النظر وأنه جنس له شامل للنظر وغيره، لا أنه ذكر لبيان الترادف؛ إذ لو ذكر لبيان الترادف لقيل: والنظر والفكر، فلذا قال المؤلف #: الفكر جنس ... إلخ إشارة إلى هذا، وقال: لأنه - أي: الفكر - انتقال النفس في المعاني، والمراد بالمعاني هي المعقولات المقابلة للمحسوسات الشاملة للموهومات؛ لأن حركة النفس في المحسوسات تسمى تخييلاً لا فكراً ولا نظراً.

(٣) وقوله: «انتقالاً بالقصد» احتراز عن الحدس وعما يتوارد على النفس من المعاني بلا قصد، ومن ذلك ما يتوارد على النفس من المعقولات في المنام بلا اختيار فإنه لا يسمى فكراً. وإنما خرج الحدس بقيد القصد لأن المعاني المذكورة هنا في حد النظر هي المبادي للمطلوب، ففي النظر ينتقل إلى المبادي من المطالب المعلومة بوجه ما، فيكون ذلك الانتقال بالقصد، وأما الحدس فلا انتقال من المطالب إلى المبادي، بل عند أن تسنح المبادي وتعرض في الذهن يحصل المطلوب، فالانتقال فيه ليس إلا من المبادي إلى المطالب انتقالاً دفعياً، وأما الفكر فلا بد فيه من حركتين: حركة من المطالب نحو المبادي ورجوع إلى المطالب. وتحقيق المقام: بما ذكره المحقق الشريف من أن كل مجهول لا يمكن اكتسابه من أي معلوم، اتفق بل لا بد له من معلومات مناسبة له، وأنه لا يمكن تحصيله من تلك المعلومات على أي وجه كانت بل لا بد هناك من ترتيب معين فيما بينها، ومن هيئة مخصوصة عارضة لها بسبب ذلك الترتيب، فإذا حصل لنا شعور ما بأمر تصوري أو تصديقي⁣[⁣٢] =


[١] في العبارة طي، وحقها أن يقال: ومعرفته موقوفة على معرفته ... إلخ، والله أعلم. (ح عن خط شيخه الحسن بن إسماعيل).

[٢] أما في التصور فكما إذا حصل لنا شعور بأمر تصوري وحاولنا حصوله على وجه أكمل تحركت النفس في المعلومات المخزونة عندها منتقلة من معلوم إلى معلوم، كتحركها عند طلب تصور ماهية الإنسان فيما عندها من ناطق وشجر وحيوان وحجر حتى تجد المعلومات المناسبة لذلك المطلوب، وهي المسمى بمباديه، كالناطق والحيوان، ثم تتحرك ثانياً في تلك المبادئ لترتبها ترتيباً خاصاً يؤدي إلى ذلك المطلوب بتقديم الحيوان وتقييده بناطق. اهـ وأما التصديق فعند طلب النفس التصديق بحدوث العالم مثلاً تتحرك في القضايا المخزونة عندها حتى تجد القضيتين الحاكمتين بحدوث المتغير وبالتغيير على العالم، وهي المبادئ التصديقية، ثم تتحرك ثانياً في تلك المبادئ لترتبها ترتيباً خاصاً، وهو توسيط المتغير المحكوم به على العالم والمحكوم عليه بالحدوث بين طرفي المطلوب ليتعدى حكم الحدوث إلى العالم، فهناك حركتان: مبدأ الأولى المطلوب المشعور به بالوجه الناقص، ومنتهاها آخر تلك المبادئ، ومبدأ الثانية أول ما يوضع منها للملاحظة والترتيب، ومنتهاها المطلوب المشعور به بالوجه الأكمل. وعدول المصنف عن الترتيب إلى الملاحظة لما قيل من أن الترتيب لازم للحركة الثانية فقط، والملاحظة والتوجه إما عين الحركتين اللتين مجموعهما حقيقة النظر أو لازم لهما جميعاً، أو لما أورد على تعريف النظر بترتيب أمور معلومة من خروج التعريف بالمفرد كالفصل وحده والخاصة وحدها. وقد أجيب عن هذا بأن التعريف بالمفرد إنما يكون بالمشتقات، وهي مركبة من حيث اشتمالها على الذات والصفة، وبأن التعريف بالمفرد مركب من الوجه المعلوم والمفرد، فيقع الترتيب بينهما ذهناً.