[تعريف العلم]
  كأكثر حديث النفس فلا يسمى نظراً، فبقية التعريف لإخراجه.
  (وقيل) في تعريفه على رأي متأخري المنطقيين: (ملاحظة المعقول(١) لتحصيل المجهول) يعني أن النظر توجه النفس نحو المعلوم قصداً(٢) لتحصيل أمر غير معلوم. وهو في الشمول والإخراج كما سبق.
  وعدل عن المعلوم إلى المعقول تحرزاً(٣) عن استعمال المشترك في التعريف.
= وحاولنا تحصيله على وجه أكمل فلا بد أن يتحرك الذهن في المعلومات المخزونة عنده منتقلاً من معلوم إلى آخر حتى تجد المعلومات المناسبة لذلك المطلوب، وهي المسماة بمباديه، ثم لا بد أيضاً أن يتحرك في تلك المبادي لترتيبها ترتيباً خاصاً يؤدي إلى ذلك المطلوب، فهناك حركتان مبدأ الأولى منهما هو المطلوب المشعور به بذلك الوجه الناقص، ومنتهاها آخر ما يحصل من تلك المبادي، ومبدأ الثانية أول ما يوضع منها للترتيب، ومنتهاها المطلوب المشعور به على الوجه الأكمل، فحقيقة النظر المتوسط بين المعلوم والمجهول هي مجموع ما بين الحركتين اللتين هما من قبيل الحركة في الكيفيات النفسانية.
(قوله): «فبقية التعريف لإخراجه» أي: لإخراج ما لا يكون لطلب علم أو ظن كأكثر حديث النفس. فالفكر جنس والباقي فصل. وقد ذكر في المواقف أن هذا التعريف شامل لجميع أقسامه من الصحيح والفاسد والقطعي والظني والموصل إلى التصور وإلى التصديق.
وقد أورد عليه في المواقف أسئلة أربعة وأجاب عنها تركناها خوف الإطالة، والمؤلف # كأنه لذلك أورد تعريف النظر عند متأخري المنطقيين فقال: ملاحظة المعقول، أي: ما حصل في العقل مفرداً أو مركباً، فيشمل التعريف بالمفرد، فإن شارح المواقف اختار التعريف به.
قلت: ويؤيده ما سيأتي من صحة التعريف بالفصل وحده والخاصة وحدها.
(قوله): «لتحصيل المجهول» تصورياً كان أو تصديقياً، كملاحظة الحيوان والناطق المعلومين لتحصيل الإنسان المجهول، وكملاحظة المقدمتين المعلومتين كقولنا: العالم متغير وكل متغير حادث لتحصيل النتيجة المجهولة، وهي قولنا: العالم حادث، ويشمل التصديقات اليقينية والظنية. والمراد بالمجهول ليس هو المجهول من كل وجه؛ لاستحالة طلب المجهول المطلق، بل المراد المجهول من وجه المعلوم من وجه آخر، وقد سبق بيان ذلك.
(قوله): «وهو في الشمول ... إلخ» أي: هذا التعريف كالتعريف الذي سبق في الشمول والإخراج، فيشمل قوله: «ملاحظة المعقول» ما كان لطلب علم أو ظن وما لم يكن كذلك، ويخرج بقوله: «لتحصيل المجهول» ما لم يكن لطلب علم أو ظن، ويخرج الحدس بقوله: قصداً، وما يتوارد على النفس من المعاني بلا قصد.
(قوله): «تحرزاً» التحرز عن استعمال اللفظ المشترك في التعريف لأن المعلوم يطلق تارة على المتيقن وتارة على المظنون، والمعقول ليس بمشترك لفظي.
(١) قوله: «ملاحظة المعقول» أي: المعلوم، وهو الحاصل في العقل تصوراً كان أو تصديقاً، مفرداً أو مركباً.
(٢) قوله: «قصداً» يحترز عن الحدس وعما يتوارد على النفس بلا قصد.
(٣) لأن المعلوم تارة يطلق على اليقينيات وتارة على الظنيات وتارة على الحمليات وتارة أخرى على المجموع، فلفظ المعلوم مشترك، بخلاف المعقول، فهو أولى.
(*) ومن فوائد العدول التنبيه على أن الفكر إنما يجري في الأمور المعقولات، أي: الكليات الحاصلة في العقل دون الجزئية، فإن الجزئي ليس كاسباً ولا مكتسباً، ومنها رعاية السجع.
(*) لا يخفى عليك أن من كمال الاحتراز عن استعمال المشترك في التعريف عدم تفسير لفظ الحد به، وإلا انتقض الغرض من الاحتراز، والله أعلم. (سيدي هاشم بن يحيى قدس سره).