هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

الباب الرابع من المقصد الرابع: (في المجمل والمبين)

صفحة 23 - الجزء 3

  لمن لم يعزم الصيام من الليل»، وغيرها مما يمكن انتفاء الفعل متى لم تحصل تلك الصفة - غير مجمل، وفي مثل: «الأعمال بالنيات» مما لا يمكن انتفاء الفعل متى لم تحصل تلك الصفة مجمل، قالا: لأن كلام الرسول ÷ يجب حمله على معانيه الشرعية، فظاهره إذاً يقتضي نفي الصلاة الشرعية مع انتفاء الوضوء مثلاً، وهو ممكن، فوجب حمل الكلام عليه، وذلك يقتضي كون الوضوء شرطاً، ويقتضي أن يكون استعمال الصلاة في الفاسدة مجازاً.

  وأما الثاني فمعلوم أنه لا يخرج العمل عن كونه عملاً مع فقد النية، فعلمنا أن المراد أحكام العمل من الكمال والإجزاء، ولا مخصص لأحدهما، فكان مجملاً.

  احتج الجمهور بقوله: (لأنه الأقرب إلى نفي الذات)⁣(⁣١) يعني أنه يتعين من


(قوله): «مما يمكن انتفاء الفعل متى لم تحصل تلك الصفة» كالصلاة بغير وضوء مثلا فإن الصلاة تنتفي متى لم تحصل الصفة، وهي كونها بوضوء.

(قوله): «وفي مثل الأعمال بالنيات مما لا يمكن انتفاء الفعل» وهو العمل؛ إذ العمل كما سيأتي لم ينقله الشرع عن معناه الأصلي، بل يسمى عملا وإن لم توجد الصفة، وهي كونه بنية؛ لبقائه على معناه الأصلي.

(قوله): «لأنه الأقرب إلى نفي الذات» لم يتقدم في المتن ما يعود إليه الضمير؛ لأن المراد - كما سيذكره المؤلف # - أن مثل لا صلاة إلا بوضوء ... إلخ متعين في نفي الصحة دون الكمال؛ لأن ما لا يصح كالعدم، فكان أقرب إلى نفي الذات من نفي الكمال، ولم يتقدم في المتن ذكر نفي الصحة، وقد قيل: إنه عائد إلى المقصود عرفاً⁣[⁣١]، ولا يستقيم ذلك؛ لأن الكلام هنا مفروض مع انتفاء العرف كما سيصرح بذلك المؤلف # حيث قال: هذا إذا لم يثبت في مثله عرف أصلا.


(١) لو زاد في المتن لحمله على الصحيح شرعاً قبل قوله لأنه الأقرب إلخ؛ لأجل رجوع الضمير من لأنه إلى الحمل كما في الفصول لكان أوضح فيما أراد وأبعد من الالباس والله أعلم اهـ.

(*) قد وجد في بعض الحواشي تفسير الضمير بالمقصود عرفاً وليس بمستقيم إذ لو كان كذلك لم يحتج إلى تعليل عدم الإجمال في هذا بأنه أقرب إلى نفي الذات لاستقلال تلك العلة الأولى ولأن الفرض في هذا القسم أنه مع انتفاء العرف وإذا قيل المراد هنا عرف الاستعمال المجازي فالعرف العائد إليه الضمير هو غير هذا العرف إذ المراد بما سبق عرف اللغة اللهم إلا أن يحمل الضمير على الاستخدام اهـ يقال هو عائد إلى مطلق المقصود من غير تقييد، بالعرف لا شرعاً ولا لغة.


[١] وأقول: يمكن أن يكون الضمير عائداً إلى المقصود عرفاً، والمقصود من العرف هنا هو عرف المجاز كما دل عليه قول المصنف فيما سيأتي: بل حملا على ما هو المتعارف في الاستعمال المجازي، وأما قوله فيما سيأتي: هذا إذا لم يثبت عرف ... إلخ فالمراد به الحقيقة من عرف الشرع أو اللغة، غاية ما هنالك أنه عاد الضمير إلى المقصود عرفا بمعنى عرف المجاز، وهو في المعود إليه بمعنى عرف حقيقة اللغة، فيكون استخداماً، ولا ضير فيه، والله سبحانه أعلم. (للسيد عبدالله الوزير ح).