هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

الباب الرابع من المقصد الرابع: (في المجمل والمبين)

صفحة 27 - الجزء 3

  (وقيل:) إنه في هذه الصور المتقدم ذكرها (مجمل للاستواء) يعني أنه قد امتنع حمل اللفظ على حقيقته، فلا بد من تقدير أمر يتوجه النفي إليه كالإجزاء والكمال، ولا يجوز إضمار الكل؛ لأنه خلاف الأصل، ولا دليل على خصوصية واحد منها فكانت مستوية فثبت الإجمال (وهو ممنوع) يعني لا نسلم استواءها في التقدير، بل نفي الصحة راجح بما ذكرنا من أنه أقرب إلى نفي الذات.

  (و) منها: أنه (لا) إجمال (في: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}) من قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}⁣[المائدة: ٦] عند أصحابنا والمالكية والشافعية، خلافاً للجمهور من الحنفية.

  أما عند أصحابنا والمالكية والقاضي أبي بكر من الشافعية وابن جني فذلك (لظهور التعميم) لأن الرأس حقيقة في الكل، والباء إما للإلصاق⁣(⁣١) أو صلة، وعلى التقديرين فالظاهر التعميم.


(١) فالظاهر وجوب التعميم لما يسمى رأساً، وفي هذا نظر؛ لأن ليس كونها للإلصاق اقتضى وجوب التعميم؛ لأن الباء في قول القائل: مررت بالدار للإلصاق، ولا يجب أن يكون المرور ملصقاً بجميع الدار، وكذلك كل ملصق وملصق به ليس يجب أن يكون التصاق كل واحد منهما بالآخر من جميع جهاته، بل إذا لاصقه من جهة قيل: هو ملصق به. وقال النحاة: إن الباء في هذه زائدة، وإن المعنى امسحوا رؤوسكم، فإذا كان كذلك وجب تعميم المسح بالرأس. (من تعليق الفقيه محمد بن خليفة على الجوهرة للرصاص). وفي الكشاف: المراد إلصاق المسح بالرأس، وماسح بعضه ومستوعبه بالمسح كلاهما ملصق للمسح برأسه. اهـ قال السعد: وأما دليل الحنفية على أنه مجمل في حق المقدار بين بفعل النبي # حيث مسح على ناصيته فهو أن الباء متى دخلت في آلة المسح تعدى الفعل إلى محله فيستوعبه دون الآلة، نحو: مسحت رأس اليتيم بيدي، ومتى دخلت في محله تعدى الفعل إلى الآلة فيستوعبها المحل كما في الآية، فيقتضي ممسوحية بعض الرأس، وليس المراد أقل ما ينطلق عليه اسم البعض؛ لحصوله في ضمن غسل الوجه، فيكون مجملا لاحتمال السدس والثلث والربع وغيرهما. (من حاشيته على شرح المختصر).