هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

الباب الرابع من المقصد الرابع: (في المجمل والمبين)

صفحة 28 - الجزء 3

  وأما الشافعية فمنهم من قال: إن الأصل في اللغة ذلك، ولكنه قد طرأ عرف في أن مثله يفيد إلصاق المسح إما بكل الرأس أو ببعضه أي بعض كان، وهذا ما أشار إليه بقوله: (أو مطلق المسح) يعني أنه ظاهر إما في الكل إن لم يثبت عرف بخلافه كما قاله الأولون، أو في المطلق الصادق على الكل أو البعض إن ثبت فيه عرف⁣(⁣١) كما قاله هؤلاء.

  والجواب: أن القول بالعرف دعوى من غير دليل، واحتجاجهم في ثبوته بأن قول القائل: مسحت يدي بالمنديل لا يفيد التعميم مدفوع بأنه إن أريد لا يفيد تعميم اليد بالمسح بالمنديل فهو ممنوع، بل يفيد تعميم أقل ما يسمى يداً، وإن أريد لا يفيد تعميم المنديل فغير المتنازع فيه؛ لأنه ممسوح به لا ممسوح، والمقصود من الآلة مقدار ما يتوسل به، ونظيره اليد في مسألتنا، ونحن لا نوجب مسح الرأس بجميع أجزائها.

  ومنهم من اعتمد على إفادة الباء للتبعيض إذا دخلت على المتعدي⁣(⁣٢)، وجوابه: أنه لم يثبت⁣(⁣٣) عن أهل اللغة مجيئها للتبعيض، مع أن فيه الترادفَ مع من، والاشتراكَ مع الإلصاق، وكلاهما خلاف الأصل.

  احتج الحنفية: بأنه متردد بين الجميع والبعض؛ لأنه يحتملهما على السواء، فكان مجملاً، وقد بينه عليه الصلاة والسلام وآله فمسح بناصيته، ومقدارها


(قوله): «الأصل في اللغة» أي: التعميم.

(قوله): «إذا دخلت على المتعدي» وإن دخلت على اللازم كانت للتعدية.

(قوله): «مع أن فيه الترادف مع من» يعني أنه يلزم في التبعيض أن تكون الباء مرادفة لمن وأن تكون مشتركة مع الإلصاق، أي: يلزم مع القول بأنها للإلصاق أن تكون مشتركة بين التبعيض والإلصاق.


(١) ولهذا يحصل بأقل ما ينطلق عليه الاسم. اهـ وعلى كلا المذهبين لا إجمال؛ لوضوح الدلالة.

(٢) أي: على مفعول المتعدي.

(٣) بل أثبته الأصمعي والفارسي والقتيبي وابن مالك، قيل: والكوفيون، وجعلوا منه: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ}⁣[الإنسان: ٦]، ذكره في المغني. اهـ وابن الإمام تبع ابن الحاجب في ذلك.