هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

الباب الرابع من المقصد الرابع: (في المجمل والمبين)

صفحة 34 - الجزء 3

  «الطواف بالبيت⁣(⁣١) صلاة» أخرجه الترمذي عن طاوس عن ابن عباس، والنسائي عن طاوس عن رجل مرفوعاً، ورواه النسائي من طريق أخرى عن طاوس عن ابن عمر موقوفاً؛ فإنه يحتمل أنه يسمى صلاة لغة وأنه كالصلاة في اشتراط الطهارة.

  ومثال آخر: «الاثنان فما فوقهما جماعة» رواه ابن ماجه عن أبي موسى، والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعاه، وفي الطريقين مقال، فإنه يحتمل تسمية الاثنين جماعة لغة وحصولَ فضيلة الجماعة بالاثنين.

  فمثل هذا اللفظ إذا صدر من الشارع لا يكون مجملاً عند الجمهور، بل يحمل على المحمل الشرعي (لأن الشارع مُعَرِّف الأحكام) الشرعية لا الموضوعات اللغوية، يعني أن ذلك صار عرفاً للشارع؛ لأنه بعث له لا لتعريف الموضوعات اللغوية، فكان قرينة موضحة للمراد، فلا إجمال.

  وقال الغزَّالي وتبعه الإمام يحيى بن حمزة رضوان الله عليه: إنه مجمل؛ لأنه صالح لهما، ولم تتضح إفادته لأحدهما؛ لعدم الدليل فرضاً⁣(⁣٢).


(قوله): «وفي الطريقين مقال» أما الأولى ففيها الربيع بن بدر بن عمرو المعروف بِـ (عَلِيْلَة)، وقد اتفق أئمة الجرح والتعديل على جرحه، وأما الثانية ففيها عثمان بن عبدالرحمن الوقاصي⁣[⁣١]، وهو متروك⁣[⁣٢]، ذكره المؤلف #.


(١) إلا أن الله أباح فيه الكلام، وهو حديث جيد رواه الترمذي والنسائي وأبو يعلى الموصلي وابن حبان والحاكم وصححه. (شرح السبكي على المختصر).

(٢) أي: لأن المفروض صلاحيته للمحل اللغوي والمحمل الشرعي، ولا مرجح لأحدهما على الآخر؛ لعدم الدليل.

(*) قال الإمام يحيى في المعيار بعد ذكر معنى هذا: وأما ثانياً فلأنه # لم يثبت عنه أنه لا ينطق بالاسم اللغوي؛ فلهذا كان اللفظ مفيداً لهما.


[١] وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده متكلم فيه أيضاً. (من خط السيد أحمد بن الحسن إسحاق).

[٢] لكن في الباب عن الحكم بن عمير عند البغوي في معجمه، وعن عبدالله بن عمرو عند الدارقطني في أفراده، وعن أبي أمامة عند الطبراني في الأوسط، وفي لفظ أحمد عنه ÷ أنه رأى رجلا يصلي وحده فقال: «ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه» فقام رجل فصلى معه، فقال: «هذان جماعة»، وعن أبي هريرة وآخرين، فاستفيد ورود هذا الحديث في الجملة. (من شرح السيد صلاح على الفصول ح).