هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(فصل:) في البيان والمبين

صفحة 56 - الجزء 3

  وكذلك آية الميراث أخرج منها القاتل ثم الكافر بتدريج، وكذلك آية السرقة خصصت بنصاب السرقة أولاً وبالحرز ثانياً وعدم الشبهة ثالثاً، إلى غير ذلك.

[تأخير التبليغ إلى وقت الحاجة]

  (و) اختلفوا أيضاً في (جواز تأخير التبليغ إلى وقت الحاجة) فأما القائلون بجواز تأخير البيان فيجوزونه (بالأولى) إذ لا يلزم منه شيء مما كان يلزم في تأخير البيان من المفاسد، وأما القائلون بالمنع فمختلفون فيه.

  والمختار عند أئمتنا والجمهور جوازه، ومعتمدهم القطع بأنه لا يلزم من فرض وقوعه محال، ولو صرح به⁣(⁣١) لم يمتنع، ولعله أُوْجِب عليه لمصلحة في التأخير.

  استدل المانع بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ}⁣[المائدة: ٦٧]، والأمر للوجوب، ويجب أن يكون قوله: «بلغ» للفور، وإلا لم يفد فائدة جديدة؛ لأن وجوب التبليغ في الجملة ضروري يقضي به العقل.

  (و) الجواب: أنا لا نسلم أن أمر «بلغ» للفور، وما ذكرتم من عدم إفادة الفائدة ضعيف؛ لحصولها، وهي تقوية ما علم بالعقل بالنقل، ولو سلم فقوله تعالى: ({بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} ظاهر في) تبليغ⁣(⁣٢) لفظ (القرآن) لا في كل الأحكام.


(قوله): «والمختار عند أئمتنا والجمهور جوازه» الكلام هنا في الخلاف بين القائلين بالمنع، وهذه العبارة قد دخل فيها القائلون بالجواز، ويمكن أن يجاب بأن قوله: والمختار ... إلخ بيان للقائل به سواء كان مانعاً أو مجيزاً، لا بيان لقوله: فمختلفون فيه فقط.


(١) أي: تأخير التبليغ.

(٢) هذا كما في المنتهى، وهو مقتضى كلام الرازي والآمدي، حكاه عنهما في شرح الجمع للزركشي، قال: ولا يتجه بينهما فرق، وكذا نظر الفرق بينهما السبكي في شرح المنهاج.

(*) قال الأسنوي: ولك أن تقول: أي فرق بين تبليغ القرآن وبين غيره، وأيضاً فالقرآن مشتمل على آيات تتضمن الأحكام، فإذا وجب تبليغه على الفور وجب تبليغ أحكامها، وإذا وجب ذلك وجب تبليغ الأحكام مطلقاً؛ إذ لا قائل بالفرق.