هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[المنطوق]

صفحة 70 - الجزء 3

  ومنه تخصيص: «إنما الربا في النسية» بمختلفي الجنس⁣(⁣١)؛ لحديث عبادة بن الصامت: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح - مثلاً بمثلٍ، سواء بسواء، يداً بيد؛ فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد» رواه أحمد ومسلم وأبو داود


(١) وأما متفقاه فلا يجوز فيه تفاضل ولا نسأ لحديث عمر مرفوعاً عند الجماعة: «إلا ها بها»، ولحديث أبي سعيد عندها إلا أبا داود بلفظ: «إلا مثلاً بمثل يداً بيد»، ولحديث أبي هريرة مرفوعاً عند البخاري ومسلم والموطأ في صاع تمر بصاعين من تمر الجمع فقال النبي ÷: «لا تفعل بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنساً» وغير ذلك، ويشهد لتقييد تجويز التفاضل مع الحضور بمختلفي الجنس التصريح به في حديث عبادة بن الصامت عند البخاري ومسلم وأبي داود مرفوعاً بلفظ: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد»، وحديث أسامة والبراء مطلق يحمل على المقيد. وأجيب بأن ما في حديث عبادة من اشتراط الحضور في مختلفي الجنس معارض بأدلة جواز السلم، حتى جوز زيد والمؤيد بالله وغيرهما بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النسأ، ورجحه متأخرو علماء المذهب، ثم التأويل بذلك لا يقابل التصريح بحصر الربا في النسيئة؛ لأنه لو وجد الربا في غيرها لبطل الحصر. قلنا: قابل التصريح تصريح بحصر مثله، وهو قوله في متفقي الجنس والتقدير: «إلا ها بها يداً بيد» قالوا: لا نزاع في وجوب الحضور مع التفاضل، قلنا: في حديث أبي سعيد: «إلا مثلاً بمثل يداً بيد» اشتراط التماثل مع الحضور، قالوا: يجب حمله على أنه لا بد من أحدهما لا سيما ولم يجمعهما بحرف العطف، وإلا لزم عدم جواز القرض؛ لأنه نوع من بيع الشيء بمثله، وقد صح القرض، فهو أصل يقاس عليه، ويكون القياس مستند التأويل صوناً لكلام الحكيم من التناقض؛ ولهذا جوز أبو حنيفة وأصحابه في متفقي الجنس والتقدير مع تساويهما عدم التقايض في المجلس، ويشهد لذلك ما في خطبته ÷ في حجة الوداع من تقييد الربا الذي وصفه بربا الجاهلية كما أخرجه رزين من حديث زيد بن أسلم هو الذي آذن الله فيه بالحرب، وهو أن يحل أجل الدين فيعجز المدين عن تسليمه فيضاعف عليه الدين ويؤخره إلى أجل بعد، وهذا هو الربا في النسيئة التي هي الدين المؤجل، والربا المجمع على تحريمه الذي يفسق فاعله ويجب الإنكار عليه، لا ما عداه، وأما دعوى الإجماع على حديث أبي سعيد وما وافقه إن سلم فمبني على أن الإجماع الذي سبقه الخلاف المستقر حجة، وعلى أن القول يبطل بموت قائله، وأن الأمرين قطعيان، وكل ذلك في حيز مظلم، وهذا حاصل ما يمكن من التأويل، وأما الترجيح فستأتي وجوهه، وكلا المذهبين لا يخلو من مرجح. (من شرح الجلال).