هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

التصورات

صفحة 160 - الجزء 1

  ويعرف التجويز بأن يغمض العقل عن الخصوصيات المقارنة له ويجرد النظر إلى الصورة الحاصلة، فإن امتنع في هذا النظر الحكم بجواز صدقه على الكثرة فهو جزئي، فيخرج عنه ما يمتنع تكثره⁣(⁣١) بدليل خارجي، والكليات⁣(⁣٢)


(قوله): «ويعرف التجويز ... إلخ» هذا إلى آخره ذكره الدواني، ووجه الإغماض عن الخصوصيات في الكلي ظاهر؛ لأنها فيه مانعة⁣[⁣١] عن فرض صدقه على كثيرين، فبالإغماض عنها يجوز العقل في الكلي هذا الفرض، فتتم الكلية. وأما في الجزئي فالخصوصيات فيه مانعة أيضاً عن هذا الفرض، كما أن مجرد مفهومه وهو الذات مانع، فما وجه الإغماض؟

والجواب: أن العقل لو لم يغمض في الجزئي عن الخصوصيات لم يعرف أن امتناع فرضه على كثيرين لمجرد مفهومه، بل له وللخصوصيات، ولا بد أن يكون الامتناع لمجرد مفهومه؛ فلذا اشترط الإغماض عنها، والله أعلم.

والخصوصيات المقارنة في الكلي هي نحو الأدلة الدالة على امتناع فرضه على كثيرين كما في الواجب لذاته، وفي الجزئي نحو كونه ابن عمرو أو بكر، وكون الحركة الشخصية من زيد مثلاً، فإذا جرد العقل الجزئي عن ذلك عرف أن امتناع صدقه على كثيرين لمجرد مفهومه.

(قوله): «فيخرج عنه ما يمتنع تكثره بدليل خارجي» كواجب الوجود، فإن امتناع فرض صدقه على كثيرين بدليل خارجي، لكن إذا جرد العقل النظر إلى مفهومه لم يمتنع من فرض صدقه على كثيرين، فإن مجرد مفهومه لو منع من فرض⁣[⁣٢] صدقه على كثيرين لم يفتقر في إثبات الوحدانية إلى دليل.


(١) كالإله المعبود بحق؛ إذ الدليل الخارجي قطع عرق الشركة عنه، لكنه عند العقل لم يمتنع فرض صدقه على كثيرين وإلا لم يفتقر إلى دليل الوحدانية. (مطلع).

(٢) قال البرقعيدي في حواشيه على شرح الكاتبي للإيساغوجي ما لفظه: اعلم أن الكلي هو الذي يمكن أن يفرض صدقه على كثيرين بالإمكان الذاتي، سواء وقع على كثيرين في نفس الأمر أو لم يقع فيه، وسواء فرض صدق وقوعه على كثيرين أو لم يفرض؛ فدخل الواجب والشمس واللاشيء في تعريف الكلي. والجزئي الذي لا يمكن فرض صدقه على كثيرين، كزيد فإنه لا يمكن فرض صدقه على كثيرين؛ لمنع التشخص عن فرض صدقه على كثيرين. فإن قيل: ما الفرق بين زيد وبين اللاشيء، فلم قيل: إن أحدهما جزئي والآخر كلي مع أن كل واحد منهما لا يمكن فرض صدقه على كثيرين، أما زيد فلما مر آنفاً، وأما اللاشيء فلأنه لا شيء من الأشياء الخارجية والذهنية يصدق عليه اللاشيء، فلا يمكن أن يفرض صدقه على كثيرين؟ قلت: الفرق بينهما هو أن زيداً يمتنع فرض صدقه على كثيرين امتناعاً ذاتياً، فينافي الإمكان الذاتي، وأما امتناع فرض صدق اللاشيء على كثيرين بسبب أن نقيضه الشيء يكون شاملاً =


[١] كالأولية في حق الواجب الدالة على امتناع فرضه على كثرين. (ح ن).

[٢] لفظ (فرض) غير ثابت في الأم. (ح).