هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[المفهوم]

صفحة 91 - الجزء 3

  يستغنى بظهور الأولوية أو المساواة عن ذكره، كقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ}⁣[الإسراء: ٣١]؛ لأن تحريم قتل الأولاد حال أمان الفقر أولى منه حال خوفه⁣(⁣١).

  ومثل أن يكون المذكور غالباً في العادة، فيذكر لذلك لا للتخصيص، كقوله تعالى:


= وذلك أن مقتضى كلامه أن الصفة ونحوها إذا ظهر للتقييد بها فائدة غير التخصيص صار الكلام مجملا فيه⁣[⁣١]، أي: في كون له مفهوم؛ فلذا قال: فلا يقضى فيه بموافقة ولا مخالفة، أي: لا يحكم أن في كلامه مفهوم موافقة ولا مفهوم مخالفة، ثم ذكر فيما كان كذلك أقساماً: الأول: ما كان المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق أو مساوياً، وحكمه أنه قد يستغنى بظهور الأولوية والمساواة عن ذكره، أي: عن ذكر حكم المسكوت عنه، فيعرف حينئذ من ذلك لا من المفهوم لتطرق الاحتمال إلى المفهوم، كما في تحريم قتل الأولاد حال أمان الفقر. الثاني من الأقسام: أن يكون الكلام خارجاً مخرج الأغلب، فهو كالأول⁣[⁣٢] في أنه مجمل لا يقضى فيه بمفهوم موافقة ولا مخالفة؛ لمساواة حكم المسكوت عنه لحكم المذكور. وكذا ما كان المذكور موافقاً للواقع فإنه من المساوي أيضاً، وقس باقي الأقسام، فظهر بما ذكرنا اندفاع اعتراض السعد؛ إذ لم يذكر المؤلف # كون الأولى والمساوي من مفهوم الموافقة كما في شرح المختصر، واندفاع ما قد يتوهم أن كلام المؤلف # متناقض حيث قال أولاً: فيصير الكلام مجملا ثم حكم على قتل الأولاد بالتحريم، ومنشأ التوهم عدم فهم قصد المؤلف #، فإن المتوهم فهم⁣[⁣٣] أن المراد أن الكلام يصير مجملا في الحكم كالتحريم ونحوه، وليس كذلك؛ إذ المراد كما عرفت أن الإجمال في كون للكلام مفهوم؛ ولذا صرح بالإجمال في المفهوم فيما كان موافقاً للواقع حيث قال: فلا يوجد للوصف مفهوم، وصرح أيضاً بالإجمال فيما يأتي في الصفة حيث قال: فإن جاءت محتملة للتخصيص والتوضيح جاء الإجمال في المفهوم، لكن يرد على ما ذكره المؤلف # من أن الأولوية لا يقضى معها بمفهوم موافقة ولا مخالفة أنه قد سبق أن الأولوية شرط في مفهوم الموافقة، فهلا حكم المؤلف # هاهنا فيما كان الحكم في المسكوت عنه أولى بكونه مفهوم موافقة، كذا ذكره في شرح المختصر، وقد يجاب عن هذا الاعتراض بأن المؤلف # قد أشار بقوله: قد يستغنى بظهور الأولوية ... إلخ إلى دفع هذا الإيراد؛ إذ يفهم منه أنه قد لا يستغنى بظهور الأولوية عن مفهوم الموافقة، بل الحكم في المسكوت عنه مأخوذ من المفهوم، كقوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}⁣[الإسراء: ٢٣]، أو نحو ذلك، فتأمل فالمقام محتمل، والله أعلم.

(قوله): «لأن تحريم قتل الأولاد ... إلخ» هذا يخالف ما سبق⁣[⁣٤] من صيرورة الكلام مجملا فيه ... إلخ.


(١) لعله يريد بالأولوية من جهة العقل، وأما الشرع فالظاهر عدم الفرق، اللهم إلا أن يفرق بينهما بأنه مع عدم خشية الإملاق يكون تمرداً وتهاوناً دونه مع الخوف ظهر وجه الأولوية، والله أعلم.


[١] يحقق هذا الكلام ... إلخ، فإنه لم يظهر تطبيقه على كلام المؤلف، والذي يظهر التدافع في كلام المؤلف فتأمل فيه، ولو لم يذكر الإجمال لكان أولى كما لم يذكره شارح المختصر فتأمل. (ح عن خط شيخه).

[٢] كذا في المنقول منها، ولعله سقط تتمة الكلام في الأقسام، فيتحقق من نسخة السيد زيد بن محمد |. (عن خط المغربي). وقد وقف على نسخة السيد زيد فوجد كما هنا. (ح).

[٣] حاصله أن الإجمال إنما هو في المفهوم لا في الحكم فلا إجمال فيه، وحصوله أي الحكم من غير المفهوم فلا يلزم ما توهم. (من خط السيد أحمد بن محمد بن إسحاق ح بزيادة يسيرة مفيدة).

[٤] قد دندن المحشي لدفع هذا الاعتراض بما يكفي. (ح عن خط شيخه). وفي حاشية ما لفظه: قلت: لا مخالفة، فتأمل ما ذكرته في الحاشية يظهر المراد إن شاء الله. (عن خط سيلان).