الباب (الخامس) من المقصد الرابع: (في مفهومات الخطاب)
  {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}[النساء: ٢٣]، لما كان الغالب كون الربائب في الحجور وأنه من شأنهن خص هذا الوصف بالذكر لغلبة حضوره في الذهن لا للتقييد(١).
  ومثل أن يكون المذكور موافقاً للواقع فلا يوجد(٢) للوصف مفهوم، مثل قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا}[النور: ٣٣]، فإن الإكراه لا يتأتى إلا مع إرادة التحصن، فإن آمر المطيعة المواتية للبغاء لا يسمى مكرِهاً ولا أمره إكراهاً، وقد روي أن هذه الآية نزلت في معاذة ومسيكة جاريتي عبدالله بن أبي(٣) كانتا مسلمتين وكان يكرههما على البغاء بضريبة يأخذها منهما.
  فإن قيل: يجوز أن تكون كارهة للأمرين التحصن والبغاء. قلنا: ذاك أمر نادر بعيد الوقوع فأشبه المحال.
  ومثل أن يكون جواباً لسؤال سائل عن المذكور أو في حادثة خاصة بالمذكور(٤)، مثل أن يسأل: هل في الغنم السائمة زكاة؟ فيقول: في الغنم السائمة
(قوله): «فإن قيل يجوز ... إلخ» هذا إيراد على قوله: فإن آمر المطيعة لا يسمى مكرهاً، وحاصله أن الإكراه يصح في هذه الحال، وهي أن تكون غير مطيعة وغير كارهة.
(١) فلا يفهم حل الربيبة التي ليست في الحجر، وخالفت الظاهرية وغيرهم فاعتبروا مفهوم هذا الوصف، ورأوا أن مخرجه مخرج الغالب زيادة في المقتضى لا مانعاً منه، ومحققاً بكون الأحكام لا تعلق بالنادر. (جلال). كذا في المنقول منه، ولا وجه للنصب، كذا في الحواشي، ويمكن أن يكون عطفاً على زيادة على توهم حذف أن.
(٢) في (ب): يؤخذ، وفي (ج): بهما.
(٣) قوله: «عبدالله بن أبي» لفظ عيون المعاني: قوله: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}[النور: ٣٣]، في عبدالله بن أبي بن سلول كانت له ست جواري يأخذ أجورهن: معاذة ومسيكة وأروى وقتيلة وعمرة ونفيهة، {إِنْ أَرَدْنَ} أي: إذا شرط تغليب، أبو حاتم يقف على البغاء ويعلق «إن» بقوله ø: {وَأَنْكِحُوا}[النور: ٣٢]، وفيه بعد.
(٤) هاهنا بحث، هو أن المفهوم كالعموم كلاهما من مدلولات اللفظ المنطوق، فإذا كانت مطابقة السؤال عن الخاص مقتضية لإبطال مفهوم جوابه لزم كونها مبطلة لعمومه، وإلا كان الحكم بإبطالها لازماً دون لازم تحكماً محضاً. (جلال). ويجاب عنه بأنه إنما بطل المفهوم هنا لاحتمال أن يراد مطابقة سؤال السائل أو يراد التخصيص بالمفهوم، وإذا قام الاحتمال فلا يؤخذ به، على أن مطابقة سؤال السائل أرجح؛ لما فيه من البلاغة، وهي مطابقة المقام.