هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

الباب (الخامس) من المقصد الرابع: (في مفهومات الخطاب)

صفحة 118 - الجزء 3

  وجوابها على هذا التقرير: أنا لا نسلم أن التعارض بالمعنى المذكور خلاف الأصل؛ لأنه في الحقيقة ليس بتعارض؛ لعدم كونهما متساويين في القوة، ولو سلم فالإفضاء⁣(⁣١) إلى خلاف الأصل في بعض الصور - وهو فيما إذا كان عند المخالفة - إنما يقتضي المرجوحية في ذلك البعض لا مطلقاً، وهي لا تقتضي إلا الانتفاء في موضعها⁣(⁣٢)، وهو لا ينافي ما ندعيه⁣(⁣٣) من ثبوت دليل الخطاب في الجملة بأن لا يكون هناك دليل يدل على مخالفة المفهوم.


(قوله): «بالمعنى المذكور» أي: التعارض في الجملة وإن لم يكن على جهة التساوي كما عرفت من المنقول عن السعد، وأما المؤلف # فلم يتعرض لما ذكره السعد فيما سبق، وكان الأولى ذكره ليظهر معنى قوله #: بالمعنى المذكور، وقد أشار المؤلف # إلى ذلك بقوله: لأنه في الحقيقة ... إلخ.

(قوله): «عند المخالفة» أي: حيث وجد دليل يخالف المفهوم.

(قوله): «وهي» أي: المرجوحية في ذلك البعض.

(قوله): «إلا الانتفاء» أي: انتفاء المفهوم «في موضعها» أي: محل المعارضة.


(١) مبتدأ، خبره إنما يقتضي.

(٢) في المطبوع: موضوعها.

(٣) يقال عليه: هذا الكلام يعطي أن مثبتي مفهوم المخالفة يكتفون بمجرد الثبوت في الجملة ولا يثبتونه إلا مع عدم دليل يخالفه، فيلزم من هذا أن لا يخصص العموم بالمفهوم، وقد مر خلافه، فالحق في المقام أن يقال: إن مفهوم المخالفة لا يخلو من أن يرد في سياق الإثبات أو لا، إن كان الأول كأن يقول الشارع: في الغنم السائمة زكاة فالمثبت للمفهوم والنافي له متفقان على نفي الزكاة في المعلوفة، أما وجه النفي عند المثبت فظاهر، وأما النفي عند النافي فللرجوع إلى الأصل، ولا يظهر للخلاف فائدة إلا إذا ورد دليل مخالف، كأن يرد: في الغنم زكاة، فمن أثبت المفهوم خصص العموم به، ومن لا تمسك بالعموم. وإن كان الثاني وهو ورود المفهوم في سياق النفي كأن يقول الشارع: لا زكاة في الغنم المعلوفة، فمن أثبت المفهوم أثبت الزكاة في السائمة نظراً إلى المفهوم، وسواء ورد دليل مخالف أو لا، أما مع عدم ورود دليل مخالف فظاهر، وأما مع وروده فيحتاج إلى الترجيح فيما يقتضيه، والتخصيص فيما يصلح له، وأما النافي فلا يتم له أن يقول بإثبات الزكاة في السائمة رجوعاً إلى الأصل؛ إذ الأصل إنما هو عدم الحكم لا ثبوته، إذا عرفت ذلك عرفت أن إثبات المفهوم قد وقع في حال ورود دليل مخالف، بل إذا ورد في سياق الإثبات لا يظهر للخلاف فائدة إلا مع ورود الدليل المخالف، فلا يتم قوله: ما ندعيه من ثبوت دليل الخطاب ... إلخ.