التصورات
  والأول لا يخلو (إما أن يقال على الكثرة متفقة الحقيقة في جواب ما هو) يقال بمعنى يحمل، وهو شامل للكلي(١) والجزئي، فإن الحمل يجري فيهما معاً كما صرح به الفارابي وابن سيناء.
(قوله): «يقال بمعنى يحمل» سيأتي للمؤلف # كلام في إطلاق هذا الحمل على هذا في شرح معرف الشيء.
(قوله): «فإن الحمل يجري فيهما معاً» فمثال حمل الجزئي: هذا زيد، لكن قد نقل بعض المحققين من شراح الشمسية عن بعضهم القول بأن الجزئي لا يكون مقولاً ومحمولاً على شيء أصلاً، بل تقال وتحمل عليه المفهومات الكلية، فهو مقول عليه لا مقول.
قال: وأما قولك: هذا زيد فلا بد فيه من التأويل؛ لأن هذا إشارة إلى شخص معين، فلا يراد بزيد ذلك الشخص وإلا فلا حمل من حيث المعنى؛ إذ لا بد في الحمل أن يكون بين أمرين متغايرين، بل يراد مفهوم مسمى زيد، أو صاحب اسم زيد، وهذا المفهوم كلي وإن فرض انحصاره في شخص واحد، فالمحمول - أعني المقول على غيره - لا يكون إلا كلياً.
قلت: وقد صرح في المطول بأن هذا التأويل واجب عند المنطقيين؛ لأن الجزئي الحقيقي لا يكون محمولاً البتة، فلا بد من تأويله بمعنى كلي وإن كان في الواقع منحصراً في شخص.
ويؤيد هذا ما سيأتي للمؤلف # في بحث معرف الشيء من أن الغرض من حمل المعرف إفادة تصور الموضوع بعنوان المحمول[١]، والمراد من الجزئي هو الذات. وقد اعترض في شرح الشمسية ما نقل عن هذا البعض، وكذا الشلبي اعترض كلام المطول.
وحاصل الاعتراض أن معنى الحمل كون المتغايرين مفهوماً متحدين ذاتاً، فحيث يصدق هذا التعريف ينبغي أن يصح الحمل؛ إذ لا شك أن التغاير والاتحاد من الجانبين، فكما يصح حمل الكلي على الجزئي نحو: زيد ناطق يصح عكسه أيضاً نحو: الناطق زيد بلا تأويل.
قال الشلبي: فإن قلت: المراد بالناطق ذاته لكونه موضوعاً، فيكون حمل زيد عليه بلا تأويل حمل الشيء على نفسه، وهو ليس بمفيد.
قلت: لم لا يكفي التغاير باعتبار الوصف العنواني؟ انتهى.
إذا عرفت ذلك فالمؤلف # كأنه بنى ما ذكره على اعتماد هذا الاعتراض، والله أعلم.
(١) الكلي نحو: ما زيد، فيقال: إنسان، والجزئي نحو: هذا زيد.
[١] سمي وصف الموضوع عنواناً لأنه يعرف به ذات الموضوع الذي هو المحكوم عليه من الأفراد كما يعرف الكتاب بعنوانه، وهو وصف كلي إذا صدق على ماهية ما صدق عليه من الأفراد فلا بد أن يكون أحد ثلاثة أقسام: إما عين الذات كقولنا: كل إنسان حيوان، أو جزئها كقولنا: كل حيوان حساس، أو خارجاً عنها كقولنا: كل كاتب متحرك الأصابع بالضرورة، فالعنوان هي الإنسانية والحيوانية وتحرك الأصابع وكذا في الموضوع. (ح)