الباب (الخامس) من المقصد الرابع: (في مفهومات الخطاب)
  أئمة العربية أجمعوا على أن الاستثناء من النفي إثبات، وعلى إفادة إنما للحصر؛ ولذلك أطبق عليه أئمة النحو والتفسير، وأبو حيان ممن قرر ذلك في كتبه النحوية كشرحي الألفية والتسهيل والإرتشاف وشرح الغاية ومختصر التقريب وغيرها، ومن تأمل كلامهم لا يشك في إجماعهم عليه، وكذلك أطبق علماء المعاني على إفادة الثالث الحصر، حتى قال صاحب المفتاح: المنطلق زيد وزيد المنطلق كلاهما يفيد حصر الانطلاق على زيد. ووجه المناسبة في هذا النوع: أنه لما كان ظاهراً في الجنسية والعموم على ما هو قانون الخطابيات أفاد اتحاد الجنس مع زيد بحسب الوجود، ولا معنى للحصر سوى هذا.
  (وقولهم): إن الإثبات في مثل: ما جاءني أحد إلا زيد (مسكوت عنه) فلا يستفاد منه ثبوت المجيء لزيد ولا عدمه مصادرة(١)؛ لأنه احتجاج بنفس
(قوله): «على أن الاستثناء من النفي إثبات» اقتصر المؤلف # على هذا مع أن النقل عن أهل العربية أنه من الإثبات نفي أيضاً اعتماداً من المؤلف # على ما هو الأقوى في الاستدلال بحيث لا يحتمل التأويل، وذلك أن الحنفية تأولوا إجماع أهل العربية أنه من الإثبات نفي بأنه مجاز تعبيراً عن عدم الحكم بالحكم بالعدم؛ لكون عدم الحكم لازماً للحكم بالعدم، وأما إجماعهم على أنه من النفي إثبات فلا يحتمل التأويل[١] كما صرح بذلك السعد، مع أن المؤلف # صرح فيما يأتي قريباً أن إنكار دلالة ما قام إلا زيد على ثبوت القيام لزيد يكاد يلحق بأنكار الضروريات؛ فلذا اقتصر المؤلف # عليه في الاستدلال.
(قوله): «على ما هو قانون الخطابيات» وأما على قانون الاستدلال اليقيني فلا؛ فلذا قال: فإن المنطقيين يأخذون بالأقل المتيقن فيجعلونه في قوة الجزئية، أي: بعض المنطلق زيد على ما هو قانون الاستدلال.
(قوله): «أفاد اتحاد الجنس مع زيد» هكذا ذكره السعد، وقد اعترضه في الجواهر بأن اتحاد الجنس - أي: الحقيقة - مع زيد الجزئي في الوجود ممتنع، قال في الجواهر: وقد ذهب إليه السعد في مواضع من كتبه. وقد صرح في شرح المختصر بمثل ما ذكره في الجواهر من الامتناع حيث قال: إن العالم لا يصلح للجنس وهو الحقيقة الكلية؛ لأن الإخبار عنها بأنها زيد الجزئي كاذب، بل الحصر في الوصف المعرف باللام ليس إلا باعتبار عموم ما صدق عليه الوصف، فيفيد أن كل ما صدق عليه العالم زيد، وهو معنى الحصر. وكذا المؤلف # فيما يأتي صرح بامتناعه حيث قال: لأن الأخبار عنها بأنها زيد الجزئي كاذب. قلت: ولعل المؤلف # والمحقق السعد لم يقصدا بالجنس الحقيقة من حيث هي، بل أراد بالجنس الحقيقة من حيث الوجود في جميع الأفراد كما هو معنى الاستغراق، ويدل على ذلك عطف العموم عليه حيث قالا: لما كان ظاهراً في الجنسية والعموم على ما هو قانون الخطابيات؛ فيندفع الاعتراض.
(١) لأن هذا هو المتنازع فيه جعل دليلاً وكان مصادرة على المطلوب. (من شرح ابن جحاف).
[١] قال السيد العلامة عبدالقادر بن أحمد بعد نقله لهذه الحاشية إلى هنا: وفيه أن المسألة معقودة لمفهوم الحصر، ولا حصر في إلا إن لم يتقدمها نفي. (من خطه).