هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

الباب (الخامس) من المقصد الرابع: (في مفهومات الخطاب)

صفحة 125 - الجزء 3

  المتنازع فيه، فيقال⁣(⁣١): لا نسلم أنه مسكوت عنه، بل محكوم عليه بثبوت المجيء، على أن إنكار دلالة مثل: ما قام إلا زيد، وما العالم إلا زيد على ثبوت القيام والعلم لزيد يكاد يلحق بإنكار الضروريات.

  (و) قولهم (باستواء: إنما زيد قائم، وإنّ زيداً قائم) لأن «ما» مزيدة ولا تفيد إلا زيادة التأكيد، فهي في غيره كالعدم (مصادرة) أيضاً وإعادة للمدعى بعبارة أخرى، فيقال: لا نسلم عدم الفرق، بل: إن زيداً قائم للإخبار بقيامه على وجه التأكيد، وإنما زيد قائم للإخبار بأنه قائم لا قاعد.

  روى ابن الأنباري⁣(⁣٢) أن الكندي المتفلسف أنه ركب إلى المبرد وقال: إني أجد في كلام العرب حشواً، فقال المبرد: في أي موضع؟ فقال: في قولهم: «زيد قائم» «وإنما زيد قائم» «وإن زيداً قائمٌ» «وإن زيداً لقائم»؛ لاتحاد المعنى واختلاف الألفاظ، فقال المبرد: بل المعاني مختلفة، فالأول إخبار عن قيامه فقط، والثاني إخبار عن قيامه مع اختصاص القيام به⁣(⁣٣)، والثالث جواب عن سؤال سائل، والرابع عن إنكار منكر لقيامه، وقد حقق هذه المعاني التي أشار إليها المبرد علماء البيان فقالوا: ترد إنما بدون الحصر كقوله عليه الصلاة والسلام: «إنما الربا في النسيئة»؛ لانعقاد الإجماع على تحريم ربا الفضل؛ لأن ابن عباس⁣(⁣٤) ® وإن خالف فيه فقد ثبت رجوعه عنه، وترد مع الحصر كقوله تعالى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ}⁣[طه: ٩٨]، فيجب اعتقاد كونها للقدر المشترك بين الصورتين، وهو تأكيد إثبات الخبر للمبتدأ؛ نفياً للتجوز والاشتراك عن اللفظ؛


(١) وفي نسخة: فنقول.

(٢) هو محمد بن قاسم الأنباري.

(٣) الباء داخلة على المقصور تأمل. فلا يرد أن هذا التركيب مفيد قصر زيد على القيام، والمفهوم من كلام المبرد قصر القيام عليه.

(٤) وروي الخلاف أيضاً عن زيد بن أرقم وأسامة بن زيد. (شرح أزهار).