(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)
  المشركين قالوا: ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً، ما هذا القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه، وهو كلام يناقض بعضه بعضاً، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأنزل أيضاً: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ...} الآية [النحل: ١٠١]، وهذه الآية سالمة عن هذا الاعتراض؛ لأن إذا لا تدخل إلا على المتحقق(١) وقوعه.
  (و) منها: (الإجماع على أن شريعتنا ناسخة) لجميع الشرائع المتقدمة إما في جميع أحكامها وإما في بعضها، بل ذلك معلوم ضرورة من دين النبي ÷.
  فإن قيل: المنكرون من المسلمين معترفون بمخالفة شرعنا لشرع من قبلنا في كثير من الأحكام، ولكنهم يقولون: إن شرع من قبلنا كان مغياً إلى غاية هي(٢) ظهوره عليه وآله الصلاة والسلام، وعند ظهوره زال التعبد بشرع من قبله لانتهاء الغاية، وليس ذلك من النسخ في شيء، بل هو جار مجرى قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة: ١٨٧].
  قلنا: القول بذلك يرجع بالمخالف إلى الخطأ في التسمية(٣)؛ لإجماع السلف إلى زمان ظهور المخالف على تسمية ذلك نسخاً.
  ويمكن أن يقرر هذا الدليل على وجه يقوم حجة على اليهود أيضاً، بأن يقال: قد ثبت بالدلائل القاطعة والمعجزات الباهرة نبوة محمد ÷، وبصحة نبوته يلزم نسخ شرع من قبله، ولم يكن لليهود والنصارى نص صريح يعلم منه أمد شرعهم على التعيين حتى يلزم أن يكون شرع نبينا انتهاء غاية لا نسخاً. وكذلك الآية يمكن تقريرها كذلك بأن يقال: قد ثبت نبوة محمد ÷ وتصديقه
(قوله): «إلى الخطأ في التسمية» وفي السعد: فيرجع النزاع لفظياً.
(١) في المطبوع: المحقق.
(٢) في المطبوع: وهي.
(٣) الذي يظهر أن الخلاف لفظي كما ذكره في القسطاس.