هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)

صفحة 140 - الجزء 3

  مشيراً إلى شبهة وجوابها: (وتبعية المصلحة تنفي العبث، واختلافها ينفي البداء) تقرير الشبهة أن يقال: لو جاز النسخ على الله تعالى لجاز عليه العبث أو البداء، والتالي باطل، فالمقدم مثله، أما الملازمة فلأن نسخه لما شرعه إما لحكمة ظهرت له لم تكن ظاهرة له من قبل أو لا، وعلى الأول يلزم البَدَاء، وعلى الثاني يلزم العبث؛ لأن ما لا يكون لحكمة يكون عبثاً. وأما بطلان التالي فلاستحالة العبث والبداء الذي هو الظهور بعد الخفاء على الحكيم الذي لا يخفى على علمه شيء في الأرض ولا في السماء.

  وتقرير الجواب: أن الأحكام كلها مبنية على المصالح تابعة لها إما وجوباً وإما تفضلاً على اختلاف الرأيين فلا عبث، والمصالح تختلف باختلاف الأحوال والأزمان، كمنفعة شرب دواء في وقت أو حال ومضرته في غير ذلك⁣(⁣١)، فقد تتجدد مصلحة لم تكن موجودة، لا أنه يتجدد ظهور مصلحة لم تكن ظاهرة، فلم يلزم بداء، فالملازمة ممنوعة.

  (و) من الشبه (قولهم): الحكم (الأول) إما (مقيد) بغاية (أو مؤبد فلا نسخ) على التقديرين، بيان ذلك: أنه إن كان مقيداً بغاية كان الحكم بخلافه بعد تلك الغاية مغايراً لمعنى النسخ، وإن كان مؤبداً لم يَقْبَل النسخ للتناقض؛ إذ حاصله: أنه مؤبد ليس بمؤبد، ولأدائه إلى تعذرِ الإخبار بالتأبيد بوجه من الوجوه؛ إذ ما من عبارة تذكر له إلا وهي تقبل النسخ، فلا يبقى طريق إلى معرفته بتقدير إرادته، وذلك مما يوجب إعجاز الرب تعالى عن إعلامنا بالتأبيد،


(قوله): «مغايراً لمعنى النسخ» أي: لا يكون نسخاً، كمن يقول: صم إلى العيد ثم يقول في العيد: لا تصم.

(قوله): «إلى معرفته» أي: التأبيد.

(قوله): «بتقدير إرادته» أي: النسخ.


(١) قال في بعض الحواشي: كالسكنجبيل فإنه نافع للشيخ في الصيف لقمع الصفراء، ضار له في الشتاء، وربما تورث مداومته له فيه الفالج. اهـ بالمعنى.