هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)

صفحة 149 - الجزء 3

  يدل على نسخ الزائد على الخمس من الخمسين قبل التمكن من الفعل.

  وتقرير الجواب: منع الوقوع، فلا نسلم أن شيئاً مما ذكروه من ذلك⁣(⁣١)، أما قصة إبراهيم⁣(⁣٢) فلجواز أن يكون الوقت موسعاً وقد انقضى منه ما يسعه، ولا يعصي به، ومثل هذا التعليق بالمستقبل لا يمنع النسخ.

  وقولهم: لو كان موسعاً لأخر الإقدام والترويع رجاء أن ينسخ أو يموت⁣(⁣٣)


(قوله): «فلجواز أن يكون الوقت موسعاً ... إلخ» قد ذكر المؤلف # في أوائل بحث الأمر ثلاثة أجوبة عن قصة إبراهيم #: الأول: أن المراد افعل ما تؤمر في المستقبل ولم يكن قد أمر. الثاني: أنه أمر بالمقدمات من الإضجاع وتحديد المدية. والثالث: ما ذكره هاهنا. ولما كان الجوابان الأولان مردودين كما ذكروه اعتمد المؤلف # الجواب الثالث.

(قوله): «ولا يعصي به» أي: بعدم فعله في الوقت المتقضي؛ لأنه موسع.

(قوله): «ومثل هذا التعليق بالمستقبل لا يمنع النسخ» هذا إشارة إلى جواب اعتراض ذكره في شرح المختصر وحواشيه، حاصل الاعتراض أنه وإن كان موسعاً فالتوسيع لا يمنع تعلق الوجوب بالمستقبل؛ لأن الأمر باق عليه قطعاً، فإذا نسخ فقد نسخ تعلق الوجوب بالمستقبل، وتعلق الوجوب بالمستقبل⁣[⁣١] هو المانع عند المعتزلة كما هو مقتضى قولهم في الاستدلال: إنه إن لم يكن مأموراً به لم يتحقق النسخ، وحاصل ما أجاب به الإمام المهدي # عدم تسليم أن ذلك هو المانع، بل المانع هو عدم تمكن المكلف من فعل المنسوخ حتى ينسخ؛ لأنه مع عدم التمكن منه غير مكلف به فلا نسخ. لكن لا يخفى أن الاعتراض بتقرير شرح المختصر وحواشيه لا يندفع بهذا الجواب، قلت: ولعل الأولى في الجواب أن يقال: تعليق الوجوب بالمستقبل بعد دخول وقت الموسع لا يمنع النسخ بعد مضي وقت منه يسع الفعل؛ إذ الفعل قد اتصف بالوجوب فيه، وقد تعلق أيضاً بالأوقات المستقبلة؛ فإن كل وقت من أوقات الموسع يتصف الفعل بالوجوب فيه، والمانع إنما هو تعليق الوجوب بوقت مستقبل لم يكن قد دخل، كبعد الزوال مثلا ثم ينسخ قبله، فيكون المراد بقول المؤلف #: ومثل هذا التعليق بالمستقبل ... إلخ ما ذكرنا من التعليق بعد دخول وقت الموسع، لكن في دلالة عبارة المؤلف خفاء؛ إذ لم يتقدم ما يصلح للإشارة إليه بلفظ هذا، والله أعلم.


(١) أي: من النسخ قبل التمكن.

(٢) في شرح الطبري: أما قصة إبراهيم # فلجواز أن يكون المراد افعل ما تؤمر في المستقبل؛ بدليل افعل ما تؤمر لا ما أمرت، سلمنا أنه قد أمر فلا نسلم أنه أمر بالذبح، بل أمر بالمقدمات من الإضجاع وتحديد المدية والانتظار لما يترتب عليها من ذبح وغيره، ومثل هذا الانتظار بلاء يحسن معه الفداء، سلمنا أنه أمر بالذبح نفسه لكن الوقت موسع وقد تقضى منه ما يسعه ... إلخ ما هنالك، وهو معنى ما سبق للمؤلف | في باب الأمر.

(٣) أي: إبراهيم # لكبر سنه فيزول عنه التكليف. (من غاية الوصول للحلي).


[١] أي: تأخر وقت وجوب المنسوخ اهـ منه ح.