هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)

صفحة 150 - الجزء 3

  فمثله من عظايم الأمور يؤخر عادة - ممنوع الملازمة، فإن الأنبياء À إنما يستبعد منهم عدم المسارعة إلى الامتثال، فكثير من مثله التراخي إلى أن مضى من الوقت ما يسع الفعل. ولو سلم فلا نسلم عدم التأخير؛ لجواز أن يكون الإقدام والترويع في آخر أوقات الإمكان، والتقديم غير معلوم⁣(⁣١).

  وأما حديث المعراج فآحادي لا يثبت بمثله مثل هذا الأصل، مع أنه يستلزم النسخ قبل بلوغه المكلفين وعقد قلوبهم على الامتثال، ولا قائل به⁣(⁣٢)، فيجب


(قوله): «فآحادي» هكذا في المنهاج، واعترض بأن قصة فريضة الصلاة ونقصها ثابتة في كل روايات حديث المعراج؛ ولذا قيل: الأولى في الجواب أن التكليف في ذلك الوقت إنما هو للنبي ÷ بالتبليغ إلينا، ورد بأن ذلك أيضاً نسخ قبل التمكن؛ إذ لم يبلغ ذلك إلا إلى موسى #، وهو ليس من المأمور بالتبليغ إليه؛ إذ ليس من الأمة.

(قوله): «مع أنه يستلزم النسخ قبل بلوغه المكلفين» أي: قبل علمهم بأنهم مكلفون بالخمسين، ومن شرط التكليف علم المكلف بما كلف به، والنسخ فرع ثبوت التكليف. وقوله: وعقد قلوبهم على الامتثال فلا تحصل فائدة التكليف التي ادعاها المخالف، وهي العزم على فعل ما كلف به.

(قوله): «ولا قائل به» أي: لا قائل بجواز النسخ قبل بلوغ المكلفين؛ ولذا قال في العواصم في حديث المعراج: مشكل على كلا المذهبين.


(١) أي: تقديم هذا الفعل على آخر أوقات الإمكان.

(٢) هذا وهم؛ لأن القائل به من سبق ذكره ممن أجاز النسخ قبل إمكان الفعل. (عن خط العلامة الجنداري).

(*) ويجاب عنه بأنه نسخ في حقه ÷؛ لأنه قد بلغه، وليس نسخاً في حق الأمة، كذا أجاب به في فتح الباري، ولعله يقال: هو نسخ في حق الجميع؛ لأنه قد تقرر أنه لا يشترط في النسخ أن يكون الحكم قد بلغ جميع المكلفين، بل يصح النسخ وإن كان قد بلغ البعض منهم، والنبي ÷ هو بعض المكلفين، فيكفي بلوغه إليه، وإلا امتنع ذلك في أكثر الأحكام المنسوخة، وقد علم أن التكليف عام، لا سيما على قول من يقول: إن خطاب الشفاه لا يختص بالموجودين، بل يشمل الموجود والمعدوم، فالنسخ لازم على ذلك، وهو أن يكون المنسوخ إنما بلغ بعض المكلفين وهو نسخ في حق الجميع. (قال في الأم: وهذا نظر لكاتبه، والله الموفق). وبهذا اندفع الإشكال على أصل الأشاعرة القائلين بجواز النسخ قبل إمكان الفعل، ولا يصح على أصل المعتزلة القائلين بأنه لا بد من إمكان الفعل، ولعله يقال أيضاً: قد أمكن الفعل من بعض المكلفين وهو النبي ÷، وليس في الحديث ما يدل على توقيتها، وإنما هو صريح في مطلق إيجاب الخمسين، ومدة المراجعة هي متسعة لذلك، لا سيما مع التأييد القدسي فلا إشكال، فلا حاجة إلى الرد بإنكار الحديث مع وجود المحمل الصحيح، والله أعلم. (من خط العلامة الحسين المغربي |).