(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)
  أو لأنه كثيراً ما يتجوز بالأبد عن المكث الطويل(١)، بخلاف ما إذا كان قيداً للحكم نصاً فيه نحو: «الصوم واجب مستمر أبداً» فإنه لا يجوز نسخه بالاتفاق، وقد أشار المتن إلى ذلك كله بقوله: (تأبيد(٢) محل الحكم لا يمنع النسخ) كما
(قوله): «أو لأنه كثيراً ما يتجوز بالأبد ... إلخ» هذا رجوع إلى جعل الظهور والاحتمال في اللفظ الدال على التأبيد كما ذكره السعد، إلا أن المؤلف # جعل الاحتمال في لفظ التأبيد، والسعد وشارح المختصر لم يجعلاه فيه، بل جعله السعد في لفظ آخر نحو الصوم واجب في الأيام الأزمان كما عرفت، وهذا هو الأولى، فإن ما ذكره المؤلف # يخالف استدلال الأصحاب[١] بقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}[النساء: ٢١٩]، على خلود الفساق، ويوافق جواب المرجئة عن ذلك بحمله على الزمان الطويل، ولأنه أورده فيما كان نصاً في كونه قيداً في الحكم، ونصوصيته في ذلك لا تمنع النسخ بالنظر إلى احتماله المكث الطويل، فالمقام لا يخلو عن إشكال، وحاصل ما في شرح المختصر وحواشيه أن هاهنا ثلاث صور: الأولى: ما كان التأبيد قيداً للفعل، نحو: صوموا أبداً. الثانية: ما كان اللفظ ظاهراً في التأبيد وإن كان نصاً في تقييد الحكم، نحو الصوم واجب في الأيام، ففي هاتين الصورتين يصح النسخ. الثالثة: ما كان التأبيد قيداً للحكم نصاً فيه، نحو الصوم واجب مستمر أبداً، فهذه الصورة لا يصح النسخ فيها.
(١) أما هذا الوجه فيقتضي جواز النسخ في الصور الثلاث، وهو أقوى الوجوه وأبينها، اللهم إلا أن يقال: خص الصورة الثالثة الاتفاق على منع النسخ فيها.
(*) هذا يناقض قاعدة الأصحاب؛ لأنهم استدلوا على خلود العصاة بقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}[التوبة: ٢٢]، والمرجئة حملوه على الزمان الطويل، ولعله يقال: المؤلف إنما حمل على الزمان الطويل مجازاً فلا تقوم بذلك حجة المخالف. (سيلان).
(٢) الجمهور على أن تأبيد الفعل الذي هو محل الحكم كأن يقول: صم أبداً أو أوجبت عليك الصوم أبداً، أو تأبيد الحكم نفسه بحسب الظهور لا بالنصوصية كأن يقول: الصوم واجب في الأيام والأزمان ونحو ذلك - لا يمنع النسخ، خلافاً لبعض المتكلمين، بخلاف تأبيده نصاً كأن يقول: أوجبت عليك الصوم إيجاباً مستمراً فإن هذا لا يجوز نسخه. لنا: أن التأكيد بكل لا يمنع التخصيص؛ لعدم إفادته النصوصية كما لو قال: جاءني القوم كلهم إلا زيداً لم يمتنع كذا لو قيل: أوجبت عليك الصوم أبداً أو صم أبداً؛ لأن النسخ تخصيص في الأزمان والتخصيص تخصيص في الأعيان، وإذا تناولها بالظهور جاز التخصيص كذا في الأزمان إذا تناولها التأبيد =
[١] لعله يقال: إنه وإن خالف استدلالهم ووافق جواب المرجئة كما ذكر لكنه لا يمنع ذلك الحمل عليه وإثبات الخلود للفساق بدليل آخر، وأما إيراده له فيما كان نصاً في كونه قيداً في الحكم فلأنه قد وصف الحكم بالاستمرار صريحاً وأردفه بلفظ أبداً كما قد ذكر في الحاشية الأولى، فكانت النصوصية لسبق الوصف معه لا به وحده، والله أعلم. (ح ن).