هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)

صفحة 166 - الجزء 3

  أبديته لا عدم أبدية⁣(⁣١) التكليف به، وعدم أبدية التكليف بالشيء إنما يناقضه أبدية التكليف بذلك الشيء لا أبديته.

  فإن قيل: تقييد الفعل بالأبدية لا من حيث هو بل من حيث كلف به، فيستلزم أبدية التكليف به، فإذا انتفت أبدية التكليف به بالنسخ انتفت أبديته - أجيب بالمنع، وإن سلم فغايته الظهور⁣(⁣٢).


(قوله): «لا أبديته» أي: الشيء.

(قوله): «فيستلزم» أي: تقييد الفعل يستلزم أبدية التكليف به، فإذا انتفى اللازم - وهو أبدية التكليف به - انتفى الملزوم، وهو أبدية الفعل؛ فيرد حينئذ منع المقدمة القائلة بأن تأبيد محل الحكم - وهو الفعل - لا يمنع النسخ.

(قوله): أجيب بالمنع ... إلخ» أي: منع كون تقييد الفعل من حيث إنه كلف به؛ إذ يصح أن يتصف الفعل بالتأبيد لا من هذه الحيثية، نحو صمت أبداً، ونحو: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}.

(قوله): «فغايته الظهور» أي: كونه ظاهراً في أنه من هذه الحيثية.


= فلا يوجد التكليف به، وتحقيقه أن قوله: صم أبداً يدل على أن صوم كل شهر من شهور رمضان إلى الأبد واجب في الجملة من غير تقييد للوجوب بالاستمرار إلى الأبد. اهـ أقول: ومع هذا التحقيق البالغ ما انقطع مادة الإشكال بالكلية؛ لأن قوله: صم حقيقته طلب الصوم، الطلب مدلول الهيئة، والصوم مدلول المادة، والظرف المتعلق بالفعل ظرفيته بالنظر إلى النسبة الملحوظة في ذلك الفعل، والنسبة هاهنا طلبية، والظرف ليس مظروفه حدوث ذلك الطلب وصدوره عن الطالب بالضرورة، وإنما هو مظروف⁣[⁣١] النسبة الإيقاعية التي قصد الطالب صدورها عن المطلوب منه عند الامتثال، فقد طلب منه على سبيل الإيجاب صوماً مستمراً، فما معنى عدم تقيد الإيجاب بالتأبيد؟ نعم، يصح أن يقال: طلب الاستمرار ثم رجع عن ذلك الطب، ولا يلزم منه التناقض، غير أن مانع جواز النسخ يقول: لا يليق بجناب الحق سبحانه أن يطلب الاستمرار ثم يرجع، وله أن يقول: طلبه الاستمرار يدل على أنه مقتضى الحكمة، والنسخ يدل أنه ليس مقتضى الحكمة، وهذا تناقض، ولا حاجة إلى التزام كون التأبيد قيداً للحكم الأول. (شرح تحرير من مسألة جواز النسخ).

(١) كما أن تقيده بزمان يجامع عدم تقيد التكليف به، نحو صم غداً فمات قبله؛ ولذا جاز نسخه اليوم كما عرف، وذلك لجواز اختلاف زمانيهما، وإذا جاز ذلك في صم غداً مع قوة النصوصية فيما تناوله فهذا مع احتمال التجوز في الأبد⁣[⁣٢] أولى. (فصول).

(٢) فيندفع الظهور بظهور الناسخ.


[١] في المطبوع: إنما مظروفه. والمثبت من شرح التحرير.

[٢] في المطبوع: فهذا مع التجويز أولى، والمثبت من فصول البدائع.